للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكفار (١) وقال علماؤنا: إنما كتب إليهم بالآية والآيتين على معنى الوعظ (٢)، وحرمة الآية والآيتين كحرمة الألفين .. لكن علماءنا لم يجعلوا للقليل في ذلك حكم الكثير ولأجله جوَّزوا للجُنُب أن يقرأ الآيات اليسيرة على معنى التعوُّذ (٣)، وإذا ثبت أن الغنيمة للغانمين فأجمعت الأمة على أنهم لا يجعل لهم التصرف فيها قبل القسمة، وقد استثنى من ذلك علماؤنا ما تدعو الحاجة إليه من طعام يأكلونه أو دابة يركبونها (٤) ما لم يعجفوها (٥)، والعجب من علمائنا أنهم احتجّوا على جواز أكل الطعام قبل التقسيم بحديث عبد الله بن مغفل في الجراب من الشحم الذي قال يوم خيبر: (قَدْ نزَوْتُ لِأخُذَهُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَحْيَيْتُ) (٦)، ويا ليت شعري هل في أخذه له اختصاص؟ إنما كانت تكون الحجة لو رآه النبي - صلى الله عليه وسلم -، يأكله فهذا من عظيم الغفلة (٧)، أما إنه ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أمر بإكفاء القدور التي أطبخت من الإبل والغنم ثم قسَّم الغنيمة (٨)، وإنما المعول في ذلك


(١) ورد في صحيح البخاري في كتاب بدء الوحي من حديث أبي سفيان ١/ ٥ وفيه {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} [سورة آل عمران: ٦٤].
(٢) هكذا قال الباجي في المنتقى ٣/ ١٦٥.
(٣) انظر شرح السنة ٢/ ٤٣.
(٤) الموطأ ٢/ ٤٥١ (قَالَ مَالِكٌ: لاَ أَرَى بَأْساً أَنْ يَأْكُلَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوَّ مِنْ طَعَامِهِمْ مَا يَجِدُونَ مِنْ ذَلِكَ كُلَّهِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ في الْمَقَاسِمْ. قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَرَى أَنَّ الإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ يَأْكُلُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوَّ).
(٥) عجف الدابة يعجفها وأعجفها: هزلها .. مختار القاموس ص ٤٠٨.
(٦) متفق عليه. البخاري في كتاب الخُمُس باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب ٤/ ١١٦، وفي الذبائح باب ذبائح أهل الكتاب: ٧/ ١٢٠، ومسلم في الجهاد والسير باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب. ٣/ ١٣٩٣، ولفظه (كُنَّا مُحَاصرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ فَرَمَى إنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ فَنَزَوْتُ لآخُذَهُ فَالْتَفَتُّ فَإذَا النَّبِيُّ، - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ ..).
(٧) ما ذهب إليه الشارح هنا رجَّح الحافظ خلافه والحق معه إن شاء الله، فقد قال: ولعله استحيا من فعله ذلك ومن قوله معاً، وموضع الحجة منه عدم إنكار النبي، - صلى الله عليه وسلم -، بل في رواية مسلم ما يدل على رضاه فإنه قال فيه: (فَإذَا رَسُولُ الله، - صلى الله عليه وسلم -، مُتَبَسَّماً)، وزاد أبو داود وزاد أبو داود الطيالسي في آخره (فقال: هُو لَكَ) وكأنه عرف شدة حاجته إليه فسوَّغ له الاستيثار به. فتح الباري ٦/ ٢٥٦، وانظر منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود ١/ ٢٣٨.
(٨) البخاري في الشركة باب قسمة الغنم ٣/ ١٨١، وفي كتاب الذبائح باب ما ندّ من البهائم فهو بمنزلة الوحش ٧/ ١٢٠، وفي باب التسمية على الذبيحة ومن ترك متعمداً ٧/ ١١٨، ومسلم في الأضاحي باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلَّا السنن والظفر ٣/ ١٥٥٨، وأبو داود ٣/ ٢٤٧ وغيرهم من حديث رافع بن خديج.

<<  <   >  >>