للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على المصلحة فإن المسلمين يدخلون بلاد العدو فتطرأ الحاجة وتعرض الفاقة فلو قسمت الغنيمة قبل التحصيل لكان ذلك فساداً في القضية وخرماً في الحال، ولو منع الناس الأكل منها حتى تقع المقاسم لأضر ذلك بهم فجوَّز الأكل بالمعروف وهذا من دلائل المصلحة وأحكامها التي انفرد بها مالك، رضي الله عنه (١)، فإذا قسَّم الإِمام الغنيمة فإن خرج إلى يده مال مسلم معين خرَّجه له (٢)، وإن علم أنه لمسلم، ولم يتعين، فمشهور المذهب أنه يقسم فإذا جاء صاحبه فهو أحق به بالثمن (٣)، وقيل: لا يقسم ويوقف فإن يئس منه تصدّق به، وكذلك قال (ح) (٤)، وقال (ش) (٥): صاحبه أحق به يأخذه متى شاء دون ثمن، وقد بيَّناه في مسائل الخلاف. والصحيح عندي أخذه له دون شيء؛ فإن الملك الثابت بالإِسلام لا تبطله اليد العادية الطارئة، ويسهم للخيل سهم واحد عند أكثر العلماء لكل فرس (٦)، وقيل سهمان للفرس (٧). والأول أصح؛ وهذا أمر مخصوص باتفاق من العلماء لا يلحق الفرس في ذلك حيوان ولو كان الفيل الذي غناؤه في القتال أعظم ووقعه في النفوس أكبر، وخصت الخيل لأنه ليس في الحيوانات أشرف منها لما خُصَّت به من الجري والكر والفر وتيسير التصرف والتذليل بحكم المصرف، وهي متفاوتة خلقاً في الجودة والدناءة،


(١) قال الدكتور محمَّد سعيد رمضان البوطي: وإنما يعمل الإِمام مالك بالمصلحة إذا لم يعارضها نص من كتاب أو سنَّة ولا أصل من أصول الشريعة الثابتة ضوابط المصلحة في الشريعة الإِسلامية ص ١٩٠.
(٢) انظر المنتقى للباجي ٣/ ١٨٤.
(٣) قال الباجي: الذي عليه جمهور أصحابنا أنه يقسم بين الغانمين ولا يكون له إذا قدم إلا بالثمن بمنزلة ما لم يعرف أنه لمسلم. وقال القاضي أبو محمَّد: إن علم أنه لمسلم لم يجز للجيش تملّكه وقسمه ولزم تركه إلى أن يأتي ربه. المنتقى ٣/ ١٨٤.
(٤) انظر فتح الباري ٦/ ١٨٢.
(٥) انظر فتح الباري ٦/ ١٨٢.
(٦) قال ابن المنذر: انفرد النعمان فقال: يسهم للفرس سهم. الإجماع لابن المنذر ص ٧٢، وقال النووي قال أبو حنيفة: للفارس سهمان فقط؛ سهم لها وسهم له، قالوا: ولم يقل بقوله هذا أحد إلا ما روي عن علي وأبي موسى. شرح النووي على مسلم ١٢/ ٨٣، وانظر فتح القدير ٥/ ٤٩٣.
(٧) هذا هو مذهب الجمهور، وممن قال بذلك ابن عباس ومجاهد والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي والثوري والليث والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وابن جرير وآخرون. شرح النووي على مسلم ١٢/ ٨٣، والذي يظهر أنّ الثاني أرجح والله أعلم. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن للفرس سهمين وللراجل سهماً. الإجماع لابن المنذر ص ٧٢، وانظر مراتب الإجماع لابن حزم ص ١١٦.

<<  <   >  >>