للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأخذت كل واحدة طلاقها، كذلك تأخذ في الظهار خلاصها (١). ورأى مالك، رحمه الله، أن الظهار قد خرج عن حكم الطلاق في الجاهلية إلى حكم الأيمان في الكفارة، ولو حلف أن لا يطأ أربع نسوة لأجزأت فيهن كفارة وانحلت اليمين المنعقدة عليهن، كذلك ينحلُّ الظهار المنعقد فيهن بكفَّارة واحدة (٢). ومن أغرب مسائله ما يروى عَنْ بَكِيرِ بْنِ عَبْدِ الله ابنِ الأشَجِّ (٣) أنهُ كانَ يَقُولُ في قَوْلهِ تَعَالَى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} هُوَ أنْ يَعُودَ إلَى قَوْلِ الظِّهَارِ (٤)، وهذا باطل على بكير إنما اخترعه عنه المبتدعة الذين قالوه ليتخذوه لأنفسهم قدوة منه، وهذا القول أفسد من أن يدفع في وجهه، ولو لم يكن في الرد عليه إلا صورة النازلة فإن الرجل ظاهر من امرأته ثم أراد البقاء معها فشرع الله في إباحة مسيسها الكفارة.


(١) قال في القديم: تجزيه كفارة واحدة، وقال في الجديد: يلزمه أربع كفارات لأنه وجد الظهار والعود في حق كل واحدة منهن، فلزمه أربعِ كفارات كما لو أفردهن بكلمات. المهذب ٢/ ١١٤.
(٢) عن مَالِكِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرَوَة عَنْ أبِيهِ أنه قَالَ في رَجلٍ تَظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسوة لَه بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ عَليْهِ إلَّا كَفارَة وَاحِدَة. الموطّأ ٢/ ٥٥٩.
درجة الأثر: صحيح وهو المذهب. انظر المنتقى ٤/ ٥٨، شرح الزرقاني ٣/ ١٧٧، الإشراف للبغدادي ٢/ ١٤٩.
(٣) بكير بن عبد الله الأشج، مولى بني مخزوم، أبو عبد الله، أو أبو يوسف المدني، نزيل مصر، ثقة من الخامسة. مات سنة ١٢٦ وقيل بعدها/ع ت ١/ ١٠٨ت ت ١/ ٤٩١، الكاشف ١/ ١٦٢.
(٤) هذا القول عزاه في الأحكام إلى داود فقد قال: أما القول بأنه العود إلى لفظ الظهار فهو باطل قطعاً لا يصح عن بكير وإنما يشبه أن يكون من جهالة داود، وأشياعه. الأحكام ٤/ ١٧٤١ قلت: هو مذهب ابن حزم. انظر المحلى ١٠/ ٥٢، وقال ابن كثير: هذا قول باطل وهو اختيار ابن حزم، وقول داود حكاه أبو عمر بن عبد البر عن بكير بن الأشج والفراء وفرقة من أهل الكلام. تفسير ابن كثير ٤/ ٣٤٢، وعزاه في المنتقى ٤/ ٤٩ إلى داود، وقال القرطبي: يسند إلى بكير ابن الأشج وأبي العالية وأبي حنيفة أيضًا، وهو قول الفراء، وقال أبو العالية: وظاهر الآية يشهد له لأنه قال: ثم يعودون لما قالوا. أي قول ما قالوا .. وساق كلام ابن العربي السابق ثم قال: قلت قوله يشبه أن يكون من جهالة داود وأشياعه حمله منه عليه، وقد قال بقول داود من ذكرناه عنهم. تفسير القرطبي ١٧/ ٢٨١، وقال الحافظ: هو قول أهل الظاهر، وروي ذلك عن أبي العالية وبكير بن الأشج من التابعين، وبه قال الفراء النحوي .. وقد بالغ ابن العربي في انكاره، ونسب قائله إلى الجهل لأن الله تعالى وصفه بأنه منكر من القول وزور فكيف يقال إذا أعاد القول المحرم المنكر يجب عليه أن يكفر ثم تحل له المرأة. وإلى هذا أشار البخاري بقوله (لأن الله لم يدل على المنكر والزور) فتح الباري ٩/ ٤٣٥.

<<  <   >  >>