عاد إلى صفاقس، ثم خطر له المجاورة بالمدينة المنورة، وبعد حلوله بمدينة طرابلس الغرب ظهر له أن يسافر إلى الآستانة، ومنها إلى المدينة المنورة، فسافر في باخرة إيطالية في وجهتها إلى بنغازي، ومنها توجهت إلى كريد، ومنها إلى إزمير، ومنها إلى شاناق قلعة ومنها إلى الآستانة حيث أرست الباخرة بميناء إستانبول، وفي الآستانة قابل الشيخ المكي بن عزوز، والشيخ أبا الهدى الصيادي، وبعد يوم ظهر الانقلاب، وزار منتزهات الآستانة، ومكتبة السلطان بايزيد، ولم يطلب منها إلاّ كتابا في الفقه المالكي، فلم يجد فيها إلاّ جزءا من فتاوى الشيخ عليش، وفي يوم الغد أتى إلى المكتبة بخمسة عشر كتابا في الفقه المالكي وغيره هدية منه للمكتبة، وهذا أمر لافت للنظر لأن الآستانة وكثرة مكتباتها وما فيها من نفائس في مختلف العلوم الإسلامية وغيرها لم تسترع انتباهه ولم يشده إلاّ عدم وجود كتب الفقه المالكي، ويبدو أن عدم معرفته باللغة التركية جعلته يشعر بالضيق والانقباض في الآستانة، والعزم على الخروج منها، فأبحر منها على متن باخرة مصرية أرست به في ميناء الإسكندرية، ووقع منعه هو وثلاثة ركاب معه منهم يهودي وجهته الحجاز بدعوى أنهم حجاج، مع أن الوقت ليس وقت حج، واليهودي يصيح ويصرح بيهوديته ولا حج عليه فلا يسمع كلامه أحد، ونزل في كرنتينة القباري وبقي أربعة أيام، وهيأ له معارفه بالإسكندرية تذكرة مرور إلى بيروت التي وصلها بعد أربع وعشرين ساعة، وبعد نحو يومين قطع تذكرة ركوب إلى بور سعيد ومنه ركب القطار إلى بنها العسل، ولما جاء القطار من مصر ركب فيه إلى الإسكندرية، وفيها نزل ضيفا على الحاج إبراهيم والحاج أبي بكر والحاج يونس الطرابلسي، وبقي عندهم أياما، ثم تحول إلى مصر فنزل عند الشيخ بلقاسم بن محمد باري، وبقي عنده إلى وقت السفر إلى الحج، ومن القاهرة سافر إلى السويس، ومنه إلى جدة، ومنها إلى مكة، فأدى مناسك الحج، وبعدها سافر إلى المدينة المنورة فوصلها يوم الخميس السابع من محرم سنة ١٣٢٦/ ١٩٠٩ - ١٠، ودرس بالحرم