للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي الكتاب إشارة إلى أنه كان ما زال مشتغلا بكتابته سنة ٦٤٦/ ١٢٤٩ - ٤٩ وهي السنة التي توفي فيها ولي العهد أبو يحيى، وربما يكون قد أتمه قبل وفاة أبي زكريا ولكن العجلة التي تبدو في الباب الأخير من الكتاب تدل على أنه أتمه بعد هذه السنة بمدة قصيرة، وفي الغالب أيام إقامته الثانية ببجاية (١).

وهو بدون شك أحسن كتب ابن الأبّار وأعظمها فائدة بل هو من عيون ما ألف أهل الأندلس قاطبة ومن المراجع التي لا يستغني عنها من يؤرخ له أو يكتب من أي ناحية من نواحي الحياة فيه.

وقد ذهب بعض المحدثين إلى أن عنوان الكتاب الكامل «الحلة السيراء في شعر الأمراء» ولم نجد هذا في المخطوط ولا عند الموثوق فيهم (٢) ممن كتبوا عنه، ولهذا جعلنا عنوان الكتاب «الحلة السيراء» فحسب، ولو أن إكماله بعبارة «في شعر الأمراء» معقول.

وجدير بالملاحظة أن شعر الكتاب ليس كله لأمراء بل فيه الكثير من شعر الوزراء والكتّاب وأصحاب الجاه والعلماء وهذا الشعر كله جيد مما يدل على ملكة ابن الأبّار كناقد للشعر عارف بالجيد منه وغير الجيد ولكن أهم من الشعر في الكتاب نثره، فهو تراجم غاية في الفائدة لعدد كبير من الشخصيات التاريخية في المغرب والأندلس من القرن الأول الهجري إلى القرن السابع مع مادة تاريخية لا بأس بها عن أعلام مشارقة من أهل القرن الأول كان لهم صيت في فتوح المغرب والأندلس.

وفي كل هذه المواد يبدو لنا ابن الأبّار مؤرخا فحلا واسع الاطلاع نافذ النظر صادق الحكم وإذا استثنينا بعض المواد الأولى التي ينسب فيها ابن الأبّار شعرا إلى عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وعبد الملك بن مروان، وبعض أجزاء الباب الأخير الخاص بمن لم يؤثر عنه شعر، تبينا أن مادة التراجم كلها متعادلة من حيث القيمة والغزارة والأصالة، غنية بكل ما ينفع المؤرخ ولا أذكر أني قرأت لغير ابن الأبّار في الأندلس شيئا يدل على سعة النظر على هذه الصورة، فهو متمكن غزير المادة سواء كتب عن خلفاء بني العباس أم أمراء الأندلس وخلفائها أو أمراء الطوائف ومن عاصرهم، وهو ليس غزير المادة فحسب، بل ناقدا لا يمر بخطاء في تاريخ أو اسم إلا استدرك عليه، وتبدو منه بدوات هنا وهناك تدل على أنه كان بالفعل من أعلم الناس بتاريخ المسلمين السياسي والعلمي والأدبي.

ومن حسن الحظ أن ابن الأبّار تخلص من السجع بعد فراغه من فاتحة الكتاب فجاء


(١) مقدمة الحلة السيراء ص ٤٣.
(٢) لكن يلاحظ أن ابن عبد الملك المراكشي ذكره في الذيل والتكملة باسم «الحلة السيراء في شعر الأمراء» وهو متقدم الزمان ثقة ثبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>