رأي القائلين بعدم متابعة المعركة واستقبال الأمير المتغلب وتسليم البلد له، وتم ذلك في شعبان /٧٦٧ ماي ١٣٦٦، ورفض الرأي القائل ببيعة أحد أطفال الأمير المقتول، ودخل ابن خلدون في خدمة الأمير الجديد لمدة وجيزة، ثم تخلى عنها، واستأذن في مغادرة بجاية فنزل أولا عند العرب الذواودة، ثم عند أصدقائه بني مزنى ببسكرة، وبعد مغادرته بجاية وقع إيقاف أخيه يحيى، وجاءه مكتوب وهو في بسكرة من السلطان أبي حمو صاحب تلمسان يعرض عليه منصب الحجابة، فأجابه بلطف بأنه لا يقبل، واكتفى بإرسال أخيه يحيى الذي أطلق سراحه قبل ذلك.
وبقي في بسكرة معتزلا المناصب السياسية الرسمية، ولكنه لم يعتزل السياسة فاتصل بشيوخ القبائل محاولا أن يكوّن منها قوة جديرة بمسك نظام قوي حقيقة، وارتاب أصدقاؤه بنو مزنى من نشاطه لدى القبائل، وأوعز ابن مزني أمير بسكرة الى سلطان فاس بأن يستدعي لحضرته ابن خلدون، وفعلا استدعاه سلطان المغرب الأقصى إلى فاس فرحل إلى فاس، وقاسى شدائد في أثناء الطريق، وعند قدومه أكرمه الوزير ابن غازي، ورتب له جراية وافرة، وأقبل على قراءة العلم وتدريسه لكن الاضطرابات السياسية لم تتركه هادئا يعيش حسب هواه، فأوقف ثم أطلق سراحه وأذن له في النهاية بالذهاب إلى الأندلس فدخلها للمرة الثانية سنة ٧٧٦/ ١٣٧٥ طلبا للهدوء والاستقرار واعتزال السياسة، والاقبال على دراسة العلم، ولكن الدهر يعاكسه ويخيب آماله، فإن السلطة السياسية بفاس توجست خوفا من إقامته بالاندلس فيفسد علاقاتهم بسلطان غرناطة، وخرج من الأندلس واستقر بعائلته في تلمسان (غرة شوال سنة /٧٧٦ مارس ١٣٧٥) مؤملا أن يتفرغ للدراسة، ورأى سلطان تلمسان أن يستخدمه وكلفه بمهمة لدى الذواودة فاضطر لقبول الطلب، ولكنه لم يكد يفارق تلمسان حتى التجأ قرب أولاد عريف الذين اقتبلوه بحفاوة، وتداخلوا لفائدته لدى السلطان أبي حمو، وأنزلوه في قلعة ابن سلامة وأقام فيها أربع سنوات (٧٧٦ - ٧٨٠/ ١٣٧٥ - ٧٩) وهي تقع على بعد ستة كلم في الشمال الغربي من قرندة الحالية في مقاطعة وهران، وفي هذه القلعة شرع في تأليف