للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حجة الوداع، فإذا جمعنا إليها: صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- بمنى يوم التروية، ثم أيام التشريق الثلاثة كل صلاة في وقتها ركعتين ركعتين، ولم يجمع بين الظهر والعصر، ولا بين المغرب والعشاء، وجدنا أن الجمع في المواضع الثلاثة المتقدمة إنما كان لحاجة، ففي عرفة كان الجمع لأجل التفرغ للعبادة والدعاء والذكر، وأما بالمزدلفة فلكونه لم يصِلْها إلا بعد دخول وقت العشاء، وأما بالأبطح فلكونه كان يتهيأ للخروج من مكة، ينتظر اجتماع الناس إليه، بخلاف نزوله بمنى فلم يكن ثمة حاجة للجمع، واللَّه أعلم.

قال الشافعي: "لأنه أرفق به يوم عرفة تقديم العصر؛ لأن يتصل له الدعاء فلا يقطعه بصلاة العصر، وأرفق به بالمزدلفة أن يتصل له السير فلا يقطعه بالنزول للمغرب، لما في ذلك من التضييق على الناس" [المعرفة (٢/ ٤٤٧)].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والمقصود أن اللَّه لم يبح لأحد أن يؤخر الصلاة عن وقتها بحالٍ، كما لم يبح له أن يفعلها قبل وقتها بحالٍ، فليس جمع التأخير بأولى من جمع التقديم؛ بل ذاك بحسب الحاجة والمصلحة، فقد يكون هذا أفضل، وقد يكون هذا أفضل، وهذا مذهب جمهور العلماء" [مجموع الفتاوى (٢٤/ ٥٧)].

وقال أيضًا (٢٤/ ٦٤): "كان يجمع أحيانًا في السفر، وأحيانًا لا يجمع، وهو الأغلب على أسفاره أنه لم يكن يجمع بينهما.

وهذا يبين أن الجمع ليس من سنة السفر كالقصر؛ بل يفعل للحاجة، سواء كان في السفر أو الحضر، فإنه قد جمع أيضًا في الحضر لئلا يحرج أمته، فالمسافر إذا احتاج إلى الجمع جمع، سواء كان ذلك لسيره وقت الثانية أو وقت الأولى وشق النزول عليه، أو كان مع نزوله لحاجة أخرى، مثل أن يحتاج إلى النوم والاستراحة وقت الظهر ووقت العشاء، فينزل وقت الظهر وهو تعبان سهران جائع محتاج إلى راحة وأكل ونوم، فيؤخر الظهر إلى وقت العصر، ثم يحتاج أن يقدم العشاء مع المغرب وينام بعد ذلك ليستيقظ نصف الليل لسفره، فهذا ونحوه يباح له الجمع.

وأما النازل أيامًا في قرية أو مصر، وهو في ذلك كأهل المصر، فهذا وإن كان يقصر لأنه مسافر؛ فلا يجمع، كما أنه لا يصلى على الراحلة، ولا يصلى بالتيمم، ولا يأكل الميتة، فهذه الأمور أبيحت للحاجة، ولا حاجة به إلى ذلك، بخلاف القصر فإنه سنة صلاة السفر".

قلت: قد دلت الأحاديث الماضية على جواز جمع النازل في المصر للحاجة، واللَّه أعلم.

* وخلاصة ما تقدم:

أ - أنه لم يثبت حديث في جمع التقديم حال السير.

ب - ثبت في جمع التقديم حال النزول في المصر للحاجة:

حديث جابر في الجمع بين الظهر والعصر بعرفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>