للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٣ - أبو بكر بن أحمد النَّجَّاريُّ (١). كان في العِمارة (٢) من الصُّلحاء المتورِّعين، وفي النِّجارة من الكبراء المتقدِّمين. قدم المدينة بعد حريق المسجد بعشر سنين (٣)، وأتى بِهذا المِنبر من جهة المِصريين، ووضعه في موضعه، وأحسنَ في وضعه، وبالغ في إتقان صَنعته، ثمَّ انقطع في المدينة مُجاوراً، وبالصُّلحاء العارفين مخالطاً مُحَاوراً، مُقتنعاً بكسب يده الصَّنَاع (٤)، ممتنعاً عن الالتفات إلى مُدنِّسات الأطماع، مُكِبَّاً على الخيرات، مُحبِّاً للأفعال الصَّالحات. حسن العِشرة، ثابتَ العزائم، دائم الإحسان حتى إلى البهائم، أَلِفَ منزلَه السَّنانيرُ (٥) والقِطاط، ويمِدُّ لَهم الخِوان والسِّماط (٦)، ويفرغ لهم السُّفَر والبِساط (٧)، فتوالدوا حتى كثروا عن حدِّ العدِّ والحساب، وهو يعرفهم بالأسماء والأنساب، فيقول: هذا جدُّ هذا، وهذا أمُّه، وهذا خال هذا وهذا عمُّه، وكذلك كان يحسن إلى الدواب المُضيَّعة في الأسواق، وكان إلى المبادرة إلى مثل ذلك بالأشواق.

ذَكَر أنَّه لمَّا قدم المدينة لم يجد بِها مَنْ يُدعى أبا بكر. قال: فظهر لي


(١) نصيحة المشاور ص ١٦٨، وجعله: ابن يوسف، والنَّجاري نسبة إلى صنعة النِّجارة، لا إلى بني النَّجَّار الأنصار.
(٢) في الأصل: (العبارة)، وهي تصحيف، ففي نصيحة المشاور من الأكابر الصلحاء المتقدمين في عمارة الحرم بالنجارة.
(٣) أي: في سنة ٦٦٤، لأنَّ احتراق المسجد كان سنة ٦٥٤ هـ
(٤) رجلٌ صَناعُ اليدين: حاذقٌ في الصنعة. اللسان (صنع) ٨/ ٢٠٨.
(٥) جمع سِنَّوْر، وهي الهِرَّة. اللسان (سنر) ٤/ ٣٨١.
(٦) الخِوَان: ما يؤكل عليه الطعام، والسِّماط مثله. القاموس (خون) ص ١١٩٤. (سمط) ص ٦٧٢.
(٧) في الأصل: (البطاط) ولا معنى لها، فهي تصحيف من الناسخ.