للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأمد الأقصى، والاقتداء بِها بحيث لم يترك في شريطته نقصا، لم يَشِنْ حُسنَ طريقته ارتباك، ولم يَعْنِه (١) في وعظه الجميل تلجلجٌ والْتِبَاك (٢)، فهو ما بين مُصلٍّ وذاكر، وتالٍ وباكٍ، ملازماً لآخر الصفِّ الأوَّل بلصق الشُّبَّاك، هذا مع النَّفس الزَّكية النَّفيسة، والهمَّة العالية الرَّئيسة، والأخلاق المرضية الأنيسة، ومع المحاضرة الحُلْوة، والمداعبة في مسامرة الخَلوة. والنَّوادر المنَّزهة عن الغُلَوَاء (٣) في الغَلْوة (٤). توفي رحمه الله عند قُديدٍ (٥) راجعاً من الحجِّ إلى المدينة في عام أربعٍ وأربعين وسبعمائة.

٧ - أبو بكر بن أحمد، الشَّيخ صفيُّ الدِّين السلاَّمي (٦)، بتشديد اللاَّم، نسبة إلى السَّلاَّمية: قريةٍ كبيرةٍ بشرقي دجلة على مرحلة من الموصل.

كان من السَّادات الكبار، وهو الذي أعرض عن الدُّنيا بالاختيار، بعد الثَّروة والحِشمة والاعتبار، جعل نَصْبَ عينه الجنَّةَ والنَّار، وأبغض الدِّرهم والدِّينار، وتوجَّه إلى المدينة الشَّريفة بنيَّة الجِوار، فأقام فيها على قدمٍ في المعالي عالية، وهِمَمٍ على الشَّوامخ العوالي مُعالية، وانقطاعٍ إلى العبادة المَحْضَة، لا يَفْتُر عن الذِّكر والصَّلاة والتوَّجُّه لحظة، حتى يَحُضَّ (٧) السُّلوك والارتياض والمجاهدة مَحِضَّه، وأبدعت (٨) الزهادة والعبادة عن ماء


(١). يَعْنِه: يُهمُّه. يقال: عَنَاه، يَعْنِيه: أهمَّه. القاموس (عنى) ص ١٣١٦.
(٢) التِبتاك: اختلاط. التبك الأمر: اختلط. القاموس (لبك) ص ٩٥٢.
(٣) أصل الغُلَواء: سرعة الشباب وشِرَّتُه. لسان العرب (غلا) ١٥/ ١٣٣.
(٤) أصل الغَلْوة: المرماة، فكلُّ مرماة غلوة، وأراد البُعد عن الغلو في القول. القاموس (غلا) ص ١٣١٩، وقال الجوهري: الغلوة: الغاية، مقدار رمية. الصحاح (غلا).
(٥) بين مكة والمدينة، تبعد عن المدينة ٢٨٠ كم تقريباً.
(٦) نصيحة المشاور ص ١١٢، الدرر الكامنة ١/ ٤٣٩.
(٧) حضَّ: حثَّ. القاموس (حض) ص ٦٤٠.
(٨) أُبدعت: انقطعت. قال في الصحاح: أبدعت الراحلةُ، أي: كلَّت، وقد أُبدع بالرجل، أي: كلّت راحلته. ٣/ ١١٨٤.