للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بزواجر الوعظ من الجبابرة حَدَقَة بعد حدقة، ويحقِّق بعدم الالتفات إليهم معنى: التَّكبرُ على المُتكبِّر صدقة (١)، ولي بالآخرة منصب الخَطابة والإمامة بالحرم الشَّريف، انتزعها من سمِّيه القاضي أبي البركات النُّويري (٢). وما كان يليق بمثله أن يحيف، على أنه خطب للمنصب بالسؤال الوافي، لكنَّ طريق الامتناع كان عليه غير خافي، ولكنَّ حبَّ الرَّسول، سوَّغ له القَبول، وحسَّن له فيه الدُّخول، وحجب عنه أولوية الإعراض، وعجب منه الصَّالحون الذين جَدُّوا (٣) عن حُبِّ المناصب حبال الأغراض. فحجَّ في عام ولايته بأهله وعائلته، وتوجَّه إلى المدينة الشريفة، وباشر الوظيفة، وسلك طريقةً مرضية، وملك ـ بتوفيق الله ـ في أموره أحسن سجيَّة، وصدعَ بخُطَبٍ دمعت لها العيون الجوامد، وخشعت لها القلوب التي تحكي الجلامد (٤)، ولم

يتمَّ له ذلك سوى عامٍ واحد، فلما جاء الموسم دعاه داعي المنون، فسافر إلى مسقط رأسه بابليون (٥)، فكان هناك لحدُه وترابُه (٦)، وفُجِعَ بفقده أولادُه وأحبابُه.

٩ - أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن، القاضي محبُّ الدِّين أبو البركات ابن القاضي كمال الدين أبي الفضل بن القاضي شهاب الدين أبي العباس العقيلي النُّويريُّ


(١) نقل ملا علي القاري في الموضوعات ص ٩٧ عن الرازي: أنه كلامٌ مشهور قال: لكن معناه مأثور. فليس بحديث.
(٢) أحمد بن عبدالعزيز النويري العقيلي، سكن مكة سنة ٧٢٣، واشتهر بالعلم والصلاح، توفي في شوال سنة ٧٣٧ هـ. الدرر الكامنة ١/ ١٧٣، التحفة اللطيفة ١/ ١٨٦.
(٣) جدُّوا: قطعوا. القاموس (جدد) ص ٢٧١.
(٤) الجلامد جمع جلمد، وهو الصخر. القاموس (جلمد) ص ٢٧٤.
(٥) معجم البلدان ١/ ١١.
(٦) قال ابن حجر في الدرر: رجع من المدينة إلى القاهرة سنة ٧٧٨ هـ، فمات بِها في
ثامن ربيع الآخر منها.