للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فلم يزل هنالك مُلَجَّجاً (١) في العِزِّ والمال، والقَبُول والإقبال، وسَعة الحال، وفراغ البال، والتَّصنيف والتَّأليف والاشتغال، ومع ذلك لا يُفارقه الالتياع (٢) والحنين إلى مَنْ خلَّفهم من البنات والبنين، حتى نيَّفَ على عشرٍ من السِّنين، فتوفِّي بِها في عام تسعٍ وخمسين، وحضر جنازته صناديدُ البلد أجمعين، ودُفِنَ بِمقبرةٍ مشهورةٍ تُدعى مقامَ الرِّجال الأربعين.

٧٥ - محمدُ بنُ عبد الله، الشَّيخُ شمسُ الدِّين الخُجَندِيُّ (٣).

من الأخيار العابدين، والأبرار الزَّاهدين، وأصحاب المجاهدات، وأرباب المعاملات، وله مواظبةٌ على الدُّخول على الأربعينات، ومُلازمة الخلوات، ومع ذلك لا ينقطع عن الصفِّ الأوَّل في أوقات الصَّلوات، لكن لا يخرجُ إلا في غطاءٍ يحجبه عن النَّظر والالتفات، إلى الجهات المختلفات، وعقيب تسليم الإمام يرجع إلى خلوته ويشتغل بالذِّكر وما عيِّن له من العبادات.

وكان قد بُورك له في الطَّعام بَركةً ظاهرة للخاصِّ والعامِّ، ويُطعم الجمَّ الغفير من نزرٍ يسير، ويُشبع الجمع الكثير، من طُعم حقير.

ذكر بعض الصَّالحين أنَّه أعطاه صاعاً من دقيق، وأمره أنْ يعمل له منه رشيدية (٤) ويرسل إليه منها كلَّ ليلةٍ جفنةً مطبوخة، قال: ففعلتُ، واستمرَّ الحال على ذلك مدَّة، ثمَّ قال: اِعمل لي منه كل ليلةٍ قرصاً، ففعلتُ مُدَّة، ثمَّ


(١) ملججاً: مليئاً ومنه: البحر اللُّجيُّ: المليء العميق. القاموس (لجج) ١/ ٣١٣.
(٢) اللَّوعة والالتياع: وجع القلب من المرض والحب والحزن، وقيل: حرقة الحزن والهوى والوجد. اللسان (لوع) ٨/ ٣٢٧.
(٣) نصيحة المشاور ص ١٦٧، الدرر الكامنة ٤/ ٣١٨، وذكره في فضل الجماعة الذين لم يستحضر أسماء آبائهم. التحفة اللطيفة ٣/ ٦١٤.
(٤) الرشيدية: عجين فطير يعمل رقاقاً ويقطع طولاً ويكسر حين يجف، ويطبخ باللبن غالباً. القاموس (رشد) ص ٨٨٢، المعجم الوسيط ١/ ٣٤٥ - ٣٤٦.