للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الدِّين، يائسين من فلاح الدُّنيا، متحقِّقين أَشراطَ القيامة، ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعد.

٤٩ - عبد الواحد الجُزوليُّ (١) الشَّيخُ الزَّاهد العابد، المُتجرِّدُ المجاهد، كان من أحد أصحاب الشَّيخ عبد الله البَسْكَريِّ (٢) وأتباعه، مُتَّبعاً له حَذْوَ القُذَّة بالقُذَّة (٣)، ومنقطعاً إلى الله كانقطاعه، مُجاوراً في رِباطه، مُرتبطاً بالتَّجرُّدِ كارتباطه، عالماً بالقرآن والحديث، سالكاً إلى منهج العارفين العرفان بالسَّير الحثيث (٤)، ويُضرب به المَثل في الشِّدَّة في الدِّين، وقوَّة اليقين، وكان الإحسانُ إلى العموم من إسانه (٥)، وإذا رأى مُنكراً غيَّره بيده ولسانه.

حكى بعض مشايخ المدينة: أنَّ بعض الشُّيوخ الكبار ترتَّب (٦) مرَّةً في قراءة ختمةٍ قبل صلاة الجمعة، يجلس لقراءتِها على كرسيٍّ ويرفع صوته بالقراءة، فلمَّا باشرها قال له الشَّيخ عبد الواحد: لا تجلسْ في هذا الوقت، ولا ترفعْ صوتك بالقراءة فيتأذى النَّاس برفع صوتك، فقال: هذه مشروطةٌ بِهذه الصِّفة، فلا بُدَّ من مُراعاة الشَّرط لكيلا آكلَ حراماً، فقال له: قد نَهيتُك فإنْ /٤٩٤ لم تفعلْ وجلستَ بعد هذا أخذتُ بلحيتك هذه وأنزلتُك عن كُرسيِّك، فإنْ شئتَ فافعلْ، وإنْ شئتَ فدَعْ، فترك ذلك، رحمه الله.


(١) نصيحة المشاور ص ٦٨، التحفة اللطيفة ٣/ ١٠٤.
(٢) ستأتي ترجمته برقم (٥١).
(٣) القُذَّة: رِيش السَّهم. القاموس (قذَذَ) ص ٣٣٦، وفي الحديث: «لتركبُنَّ سَننَ مَنْ كان قبلكم حَذْوَ القُذَّة بالقُذَّة» أي: كما تُقدَّر كلُّ واحدةٍ منهما على قدْرِ صاحبتها وتقطع. وهذا يُضرب مثلاً للشيئين يستويان ولا يتفاوتان. النهاية في غريب الحديث ٤/ ٢٨.
(٤) الحثيث: السَّير المسرع. القاموس (حَثَثَ) ص ١٦٧.
(٥) الإسان والأسن: الخلق. القاموس (أسن) ص ١٠٤.
(٦) ترتب: تعيَّن بِمُرَتَّبٍ. لسان العرب (رَتَبَ) ١/ ٤٠٩.