للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهو على ما يُذكر على مذهبٍ غير مرضيٍّ، فلمَّا أذَّن المؤذِّن قام وقد تقدَّمته الرَّايتان السَّوداوان فوقف/٤٩٣ بينهما، فلمَّا فرغ من الخُطبة الأولى جلس جلسةً خالف فيها جِلسةَ الخُطباء المضروب بِها المثَلُ في السُّرعة، وابتدر الجمعَ مَرَدةٌ من الخَدَمة يَخترقون الصُّفوف ويَتخطَّون الرِّقاب كُدْيةً (١) على الأعاجم والحاضرين لهذا الخطيب القليلِ التَّوفيق.

فمنهم مَنْ يطرح الثَّوب النَّفيس، ومنهم مَنْ يُخرج الشِّقَّة (٢) الغالية من الحرير فيعطيها وقد أعدَّها لذلك، ومنهم مَنْ يخلع عِمامته فينبذها، ومنهم مَنْ يتجرَّد عن بُرْدِه فَيُلقي بِها، ومنهم مَنْ لا تتَّسع حالُه لذلك فيسمحُ بفضلةٍ من الخام، ومنهم مَنْ يدفع القُراضة مَنْ الذهب، ومنهم مَنْ يَمدُّ يده بالدِّينار والدِّينارين إلى غير ذلك. ومن النِّساء مَنْ تطرحُ خَلْخَالها، وتُخرج خاتِمها فتلقيه، إلى ما يطولُ له الوصف من ذلك، والخطيبُ في أثناء هذا الحالِ كلِّها جالسٌ على المنبر يلحظ هؤلاء المسْتَجْدِين (٣) له، المسْتَسْعِين على النَّاس بلَحَظاتٍ (٤) يكدُّها الطَّمع والحرص وتقيدها الرَّغبةُ والاستزادة، إلى أَنْ كاد الوقت ينقضي، والصَّلاة تفوت، وقد ضجَّ مَنْ له دينٌ وإخلاص من النَّاس، وأعلن بالصِّياح وهو قاعدٌ ينتظر استفاف (٥) صُبابة (٦) الكُدية، وقد أراق عن وجهه ماءَ الحياء، فاجتمع له من ذلك السُّحت المؤلَّف كومٌ عظيمٌ أمامهُ، فلمَّا أرضاه قام وأكمل خطبته، وصلَّى بالنَّاس، وانصرف أهلُ التَّحصيل باكين على


(١) الكدية: الإلحاح في المسألة. اللسان (كَدَيَ) ١٥/ ٢١٦.
(٢) القطعة. القاموس (شَقَقَ) ص ٨٩٨.
(٣) المستجدين: الطالبين المال السائلين. لسان العرب (جَدَيَ) ١٤/ ١٣٤.
(٤) لحظات: نظرات. القاموس (لحِظِ) ص ٦٩٨.
(٥) استفاف: جَمْعُ. القاموس (سفَفَ) ص ٨١٩.
(٦) صبابة: بقية. القاموس (صَبَبَ) ص ١٠٤.