للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٢٣ - حسن بن أحمد بن محمد بن عبد الرَّحمن القَيسيُّ، الشَّافعيُّ، المِصريُّ (١)، القاضي بدر الدين، كان إماماً فاضلاً، وحَبْراً مُناضلاً، قدِم المدينة في ذي الحجَّة سنة ثَمان وأربعين وسبعمائة متولِّياً، مُستقلاً بالحكم والخطابة والإِمامة بعد أنْ باشرها مدة من /٤٧٤ السنين نيابةً عن صهره القاضي شرف الدِّين. …

فلمَّا استقلَّ بالمناصب، حاول أن يسلك مسلك صهره بما يناسب، فوطئ النَّاس بقدم الصَّلابة، ونشر عليهم عَلَمَ المهابة، وشدَّد على الأُمراء والأشراف، وبلغ في منابذتِهم حدَّ الإفراط والإسراف، إلى أنْ كتب إلى السلطان يشكو من الأمير طُفيل (٢)، غير مكترث بأنْ ينُسب في ذلك إلى الرَّأي الفَيْل (٣)، ولم يُبالِ فيه من صروف دهره، وارتكب ذلك اقتداءً بصهره.

فلمَّا بلغ طفيلاً الخبر، أظهر الغضبَ وما صبر، وحصل في حقّ القاضي منه تَهديد، وأرعد وأَبرق بالوعيد الشَّديد، فلم يسعِ القاضيَ غيرُ التَّولي عن رجف إيعاده، وقصوه عن المدينة الشَّريفة وابتعاده، فتوَجَّه إلى مكة بنيَّة الاعتمار، وفي صحبته جماعةٌ من الفقراء الأخيار، والخُدَّام الكبار، واستناب بالمدينة نائباً، واستمرَّ بقية العام بمكة غائباً، وسافر في الموسم إلى القاهرة، وانتقل عام أحدٍ وخمسين إلى الدار الآخرة.


(١) نصيحة المشاور ص ٢٢٣، الدرر الكامنة ٢/ ١٢، التحفة اللطيفة ١/ ٤٧٠.
(٢) ذكر ابن حجر في الدرر الكامنة أنه تشدد على الروافض فمقته طفيل أمير المدينة.
(٣) الفيل: الخاطئ. القاموس (فيل) ص ١٠٤٥.