للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَشْغلَهُم بالعلم الشَّريف، لعلمه بالاختلاط أنَّه مَهْمَهٌ (١) مُخيف، لم يزل في أواخر الحرم مُلازماً للتدريس والإفادة، ولا يقع في مَجلسه على ذلك زيادة، من الكَلِم المعتادة، ولا يدخل منْزلَه إلا للوضوء والطَّهارة، ولا يأتيه آحاد النَّاس إلا للتبرُّك والزِّيارة، تَخرَّج عليه جماعةٌ من طَلَبة المدينة، وانتفعوا بملازمته، وارتفعوا بمنادمته، لكن اخترمتهم المنية في الشَّباب، فأجزل الله لهم الثَّواب، ويَمَّنَ عليهم بحسن الانقلاب، وكان رحمه الله مع هذا الانقطاع يُؤذى بأنواع الكلام، ويُرمى بسهام الملام، ويبلغه ذلك فلا يُعاتب قائله، ولا يقطع عنه نائله، وكانت له كتبٌ نفيسة، وأصولٌ معتمدة جليلة، في فنون العلم، وقف أكثرها بِمدرسة فيها له فِعَال، ووقف بعضها بالمدرسة الشِّهابية بالمدينة، وأعتق عبداً له كان قد ربِّاه، وأحسن إليه /٤٦٥ أحسنَ الله مثواه، وتوفي عام خمس وخمسين وسبعمائة. …

١٥ - أبو الغَمْر الطَّنجِيُّ (٢)، قاضي طنجَة، وهي مدينةٌ مقابلةُ الجزيرة الخضراء على ظهر جبل، وماؤُها في قناةٍ تجري إليهم من موضعٍ لا يعرفون مَنْبَعه، وأعمالها مسيرة شهرٍ في شهر.

أعرض عن قضاء بلده وتوجَّه إلى الحجاز، وأقبل على الحقيقة وترك المجاز، وآثر المجاورة بدار الإيمان، مُنقطعاً إلى عبادة الرَّحمن، منفرداً بالعلم والعمل على جميع الأقران، مع التَّوجُّه العظيم، والصَّوم المقيم، والمُجاهدة في الأعمال، والمُباعدة عن النَّاس وماهم فيه من الأحوال، والرِّياضة البليغة التي أضمرته حتى لم يبق منه إلا شِبْهُ الخيال (٣)، وإِقراءِ العلوم لمَنْ يقصِدُه من


(١) المَهْمَةُ: المفازة البعيدة الأطراف. الصحاح (مهه) ٦/ ٢٢٥٠.
(٢) نصيحة المشاور ص ١٢٦، التحفة اللطيفة ٢/ ١١٤، العقد الثمين ٤/ ٥٢٣، وسمَّاه في التحفة: السائب بن عبد الله الأنصاري.
(٣) المبالغة في التعبد والرهبنة غير مشروعة في الإسلام، بل جاءت السنة بالرفق بالنفس في أعمال الظاهر مع إصلاح السرائر كما كان على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وخيار الأمة.