للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الجميل، وكلٌّ منهم إلى معاودته وحضور درسه يرغبُ ويميل، وله ميعادُ وعظٍ بعد صلاة الجمعة يقعد في الرَّوضةِ الشَّريفة على كرسيٍّ عال، ويعظ بأداءٍ غريب وصوت مُطرب لا يهتدي إلى سامعه الملال، وإنْ أطنبَ وأطال، بل كلما زاد إطناباً زاد إطراباً، وكلما أكثر إغراباً ازداد الحاضرون إعراباً حسن حاله.

وكَلِفَ به كلُّ قلبٍ وأحبه، وأصبح كلُّ نفس تَهوى وعظه صَبَّة، حتى كأنَّه سلبَ ابن الجوزيِّ لُبَّه.

وكان رحمه الله أوَّل من اتَّعظ بِمقاله، فصار يَجتهد في أمراعٍ (١) منْ حَاله يسرد الصيام، ويقومُ الليلَ والنَّاسُ نيام، ويتحسَّرُ على ما أذهب في علم الأدب من الأيام، ويقول: ياليته صرف العمرَ أجمعَ في الكتاب والسُّنَّة وأخبار الصحابة الكرام. وتوفي رحمه الله سنة ست وأربعين وسبعمائة.

٥٨ - عبد الله بن محمد أبي القاسم فرحون بن محمد بن فرحون، اليعمري، الأُبُّدي، الجيَّاني التونسي المدني المالكي، القاضي بدر الدين (٢)، أبو محمد.

أوَّلُ مَنْ رأيته، ووقع نظري عليه من أهل العلم بالحرم الشريف، وذلك في حوالي الخمسين والسبعمائة، فشاهدت منه طود وقار، وعيلم (٣) علم لا يهتدي إلى تيار مائه اختفار (٤)، وغزارة فضل للناس إلى قري مرايا مريه (٥)


(١) أمراع: إصابات، يقال في المثل: (أمرعتَ فانزل)، أي: أصبت حاجتك فانزل. القاموس … (مرع) ص ٧٦٣.
(٢) الدرر الكامنة ٢/ ٣٠٠، التحفة اللطيفة ٢/ ٤٠٣. وترجم لنفسه في آخر كتابه نصيحة المشاور ص ٢٧١، وترجمه ابن أخيه في الديباج المذهب ١٤٤. والأُبُّدي، نسبة إلى بلدةٍ بالأندلس.
(٣) العَيْلَمُ: البحر. القاموس (علم) ص ١١٤٠.
(٤) الاختفار: المنع، يقال خفره: أجاره ومنعه. القاموس (خفر) ص ٣٨٦.
(٥) القري: مصدر من قرى الماء في الحوض قرياً إذا جمعه. القاموس (قرى) ص ١٣٢٣. والمرايا: العروق التي تمتلئ وتدر باللبن، والمري: مأخوذة من الناقة المري. أي الغزيرة اللبن فهي تدر بالمري على يد الحالب. القاموس (مرى) ١٣٣٤.