للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ودينية، فأدركته في الطَّريق المنيَّة، قبل بلوغ الأمل، ومات في المُحرَّم من عام ثلاث وسبعين وسبعمائة.

١٣ - إبراهيم بن عبدٍ، العُريان، الرُّوميُّ الأصل (١).

كان من الفقراء المجرَّدين، والصُّلحاء المفردين، لم يبرح عُرياناً يتَّزر كساءً،

وهو على ذلك صيفاً وشتاءً، مقتنعاً من الدُّنيا بِبَلاسة (٢)، وقُبَّعِ صُوفٍ على قُبَّةٍ برأسه، وأقام في المدينة نيِّفاً وخمسين سنة، على طريقة حسنة، وكان ساكناً في المدرسة الشِّيرازية، واتَّخذ التَّجرُّد عن الدُّنيا زِيَّه، اشتُهر بين النَّاس الأعيان، ولم يزد على ذلك اللِّباس وهو عُريان، أظهر في المدينة آثاراً حميدة، ومشاعر سعيدة، وعمَّر المدرسة المذكورة برفع إِسْطامها (٣)، ودفع التَّخلخُل عن سقوفها ورواشينها (٤)، ولم تزل المدرسة في أيامه محترمة الجَناب، مَحْمِيَّة الأعتاب، لا يسكنها إلا الصُّلحاء والأخيار، والفقراء والأبرار، اشترى نخلاً وَنوَّه بوقفه وحبسه، بعد أن اجتهد في عمارته بِماله ونفسه، وكان قويَ الخَلْق شديد الباس، لا يُعاشِر إلا بالإلطاف والإيناس. وتوفي بالمدينة في عام ثلاثين وسبعمائة.

١٤ - إبراهيم التلمساني (٥)، الشَّافعي، العالم النَّاسك، الزَّاهد السَّالك، عارف زمانه، وفارس ميدانه، وحافظ لسانه، والمُقبل على شانه. سلك في الانقطاع مَسلكاً حسناً، وملك بترك الاجتماع مُلكاً حسناً، لا يخالط النَّاس إلا


(١) نصيحة المشاور ص ١١٨، التحفة اللطيفة ١/ ١٥٤.
(٢) البَلاس، كلمة فارسية معِّربة، معناها: الثوب الغليظ من الشَّعَر. اللسان (بلس) ٦/ ٢٩.
(٣) الإسطام بالكسر: المسعار، وهو حديدة. يريد عمودها. القاموس (سطم) ص ١١٢٠.
(٤) جمع رَوْشن، وهو: الخرق في أعلى السقف. اللسان (رشن) ١٣/ ١٨٠.
(٥) نصيحة المشاور ص ١٧٠، الدرر الكامنة ١/ ٧٩، التحفة اللطيفة ١/ ١١٣، وسمَّى أباه: رجباً.