للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شان، وهو أوَّل مَنْ قمع اللهُ تعالى به البِدعة وأركانَها، ورفع به قواعدَ السُّنَّة وبُنيانَها، ولمَّا استقرَّ في الولاية بدأ أولاً بمنع آل سنان وغيرهم من الإمامية من التَّعرُّض للأحكام الشَّرعية، وعقود أنكحة الرَّعية، وردَّ الأمرَ بأسره إلى أهل السُّنَّة، وأزال ببأسه عن مخالفتها المَنَّ والمُنَّة (١)، وأخمد نار الشِّيعة وأطفأها، وقلب قدر قُدورهم على صلة الذِّلَّة وأكفأها، ونادى في المدينة وأسواقها جِهاراً نَهاراً أن لا يَحكمَ في المدينة إلا القاضي الشَّافعيُّ، ومَنْ فعل فقد وَطِئ جُرُفَاً منهاراً، فبطل بالكُلية أمرُهم ونَهيهم، وظهر على الكلية وَهْنُهم ورَهْبُهم.

ثمَّ إنَّه منع قُضاة الشِّيعة أن يدخلوا معه الحُجرة الشَّريفة، وعيَّن إبراهيم بن عبد الله المؤذِّنَ في هذه الوظيفة، فكان يدخل أَمامه، ويواصل أنغامه، ويُبلِّغ خيرَ العالمين صلاتَه وسلامه، ثمَّ يأتي بالشَّريف ومَنْ معه إلى الشَّيخين المقدَّمين، والسَّيِّدين المعظَّمين، مُزْدَلِفَيْن إليهما، مُسلِّمين عليهما، وإبراهيمُ رافعٌ عقيرتَه (٢) بالتَّسليم، والشَّريفُ وراءه في وقارٍ وخُضوع عظيم.

٣٣ - سليمان الغُماري (٣)، الشَّيخُ أبو الرَّبيع. كان من العُبَّاد المتكلّمين، والزُّهَّاد المُقلِّلين، والأولياء المُحقِّقين، والأسخياء المُتصدِّقين، أُضِرَّ في أواخر عمره، فَعُرِضَ عليه الخِدمة والقيامُ بنحو الطعام والإدام، وما لابدَّ للضرير منه من الطبخ أو مِلاء إبريقٍ من البئر، فامتنع وأبى كلَّ الإبا، ولم يجعل بينه وبين الله سببا، باشر بنفسه خَدمَه، فثبَّتَ الله لذلك قَدَمه، وحفظه عن إخلاء أعمال العميان وعصمه، وسلك في طريقته أحسنَ المسالك، وكان إليه ترجع


(١) المنة: القوة. القاموس (منن) ص ١٢٣٥.
(٢) عقيرته: صوته. القاموس (عقر) ص ٤٤٣.
(٣) نصيحة المشاور ص ٨١، التحفة اللطيفة ٢/ ١٨٧.