للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واستمرَّ منفصلاً إلى شهور سنة تسعٍ وخمسين، فهبَّت نسمةُ سعدٍ أزاحت عنه نكبات التَّعسِين (١) والتَّعيين، فأعيدت الولايةُ ثانياً، وصار لمجاني (٢) الأماني بيدِ الظَّفَر جانياً.

ووصل إلى المدينة فجأةً صحبة الأمير جمَّاز، واستقرَّ على عادته في الولاية محفوفاً بالإكرام والإعزاز، مُزال الهموم، مَنْفِيَ الأحزان، مُزَال الكُرَب، مُقبلاً على الطَّاعة، مشتغلاً بالعبادة وما يتوسَّل به إلى الله من القُرَب.

وتُوفي في أوائل سنةِ ستين وسبعمائة، وكان مولده عام أربعٍ وتسعين وستمائة.

٤٥ - عبد الله بن حجاج (٣)، أبو محمد المغربيُّ، الفلسفيُّ، المَنْطِقيُّ، الحكيمُ، المكشوفُ الرَّأس، لأنَّه كان كذلك صيفاً وشتاءً.

كان من أكابر العلماء المُطَّلعين على العلوم اليونانية، وأكابر الفضلاء المتضلعين بالعلوم الإيْمانية.

انقطع إلى المجاورة بالمدينة، واجتمع إلى نفسه وعبادته في سكونٍ وسَكينة، وجمعَ غرائبَ الكُتب ونفائسَها أَحْمَالاً، وصرف في تَحصيلها وتصحيحها أعماراً وأموالاً، وحاز من الأصول الفاخرة صناديقَ وسِلالاً (٤)، وجلُّها كتبُ الحديث والفقه، والتَّاريخ، والطِّبِّ والمنطق والحكمة، وعلومٍ أُخرى شتَّى لم ينهض لمعرفتها في عصرنا


(١) التَّعسِيْن: قلة المطر. اللسان (عسن) ١٣/ ٢٨٥. والتعيين مأخوذٌ من قولهم: عين فلاناً: أخبره بِمساوئه في وجهه، والمراد ذهب عنه الأذى والسوء. القاموس (عين) ص ١٢١٩.
(٢) المجاني: جمع مجني، وهو المتناول. من قولهم: جَنى الثمرة. القاموس (جنى) ص ١٢٧١.
(٣) نصيحة المشاور ص ١٦١، التحفة اللطيفة ٢/ ٣١٨.
(٤) سلال: جمع سَلَّة، وهي الخابية. القاموس (سلل) ص ١٠١٥.