للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خميلة (١)، ولم يزل كذلك إلى أَنْ كَبِر سنُّه، وتقعقع شَنُّه، وغَلب ضعفه، وخلب (٢) العجز وعقَّه، فأقبل على العبادة والعزلة والانقطاع، فَسُعِيَ عليه تعلُّلاً بعجزه عن القيام بأمر المنصب وشانه، فصُرف واستقر افتخار الدِّين ياقوت (٣) في مكانه.

وإذا لم يكنْ من الصَّرفِ بُدُّ … فليكنْ بالكبار لا بالصِّغار

وإذا كانت المحاسنُ بعد الصر … ف محروسةً فليس بعارِ

وكان يتأدَّب ياقوتُ مع عزِّ الدِّين ويَحضر مجلسه ويهنيه بالشهر، ويتقَّرب إليه بكل سبيل حتى أحبَّه عزُّ الدين، وكان يقول هذا خادمٌ محتشم رئيس، ولم يزل عزُّ الدِّين /٤٧٧ معظَّماً مكرَّماً، مبجَّلاً مفخَّماً، إلى أَنْ توفي في عام أحد وستين وسبعمائة.

٢٦ - دينارُ البدَريُّ (٤)، عزُّ الدِّين، كان هو والمُقدَّمُ قبله كأنَّهما ديناران وازنان، وفي ميزان الاختبار والاعتبار راجحان رَازِنان، ولكنه لم يلِ المشيخَة وكأنه سبق في المكارم كثيراً من المشايخ، له قَدمٌ في المفاخر راسية، وعِرقٌ في الرِّئاسة راسخ، غوثٌ للرَّاجين، وغيثٌ للمحتاجين (٥)، كان مسكنه بدار الشرابيِّ في زُقاق الخُدَّام، فهيَّأها منْزلاً للخاصِّ والعام، وكلِّ مَنْ يتجشَّم إليه بنقل الأَقْدام، قلبُه في معارك المبارِّ إليه إِقْدامٌ وأَيُّ إِقدام، جعل في منْزله


(١) الخميلة: الموضع الكثير الشَّجر. القاموس (خمل) ص ٩٩٥.
(٢) خلبه: جرحه أو قطعه. القاموس (خلب) ص ٨١.
(٣) تأتي ترجمته في حرف الياء.
(٤) نصيحة المشاور ص ٥٧، التحفة اللطيفة ٢/ ٤٣، وتصحف في الأصل إلى (الرزي).
(٥) إطلاق هذه العبارات من الغلو في الأشخاص، فالله تعالى هو المرجو وإليه الملتجأ كما قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}. سورة (البقرة) آية (١٨٦).