للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على ما خلفه فوجد الضائع منه آلافاً مُؤلَّفَة، فقال له: هذه تلزمك شرعاً، وكذا شأن من استرعي ولا يرعى، فقال: نعم لازمتني وأقوم بِها، فخذ بِها من أملاكي ما شئت من الأراضي والنَّخيل، وإنْ كنتُ مُفِّرطاً فلا تحسبنِّي أُنازع في ذلك منازعة بَخيل، ثمَّ خلا الشَّيخ بأصحابه، وفاوضهم في بابه، فقالوا عن بَواءٍ (١) واحدٍ: المفرِط أولى بالخسارة، ووقعَ من جميعهم على تغريم الوكيل الإشارة، فقال الشَّيخ: والله إنَّ رأيكم لغيرُ مصيب، وكيف يا إخوتي، حتى ما لكم في الفُتوَّة نصيب، رجلٌ صحبته من قديم الزَّمان، وأقرأني القرآن، ثمَّ إني كلَّفته باستخلافة مكاني، أُغرِّمه شيئاً ضيَّعة عبيدي وغلماني، ينبغي أن يُسلك معه أحسنُ المسالك فإني لا أشكُّ أنه لم يتدنَّس بشيءٍ معاذَ الله من ذلك، وأُبرئُ ذمتهم وذمته، وأُعلي بالتَّنَزُّه وعدمِ الاكتراث همَّته، ولم يزل الوكيل له صديقاً، إلى أنْ أوقع الموت بينهما تفريقاً.

وكان دينار رحمه الله مع كثرة حِشمته وأدبه، كان سريع الفيئة من غضبه، ولا يغضب إلا بعد لأْيٍ (٢)، ولا يَحرد وإنْ آذاه المخاطب وكأى (٣)، وإنْ غضب قليلاً أسرع إلى الرِّضا وشأى (٤)، ثم إنَّه سُعي عليه فعُزل بمختصٍّ الدَّيرِّي الآتي ذِكره في حرف الميم، البادي نُكره في الحديث والقديم، ثمَّ عُزل الديري بالشَّرف الخزنداري (٥)، ثمَّ عزل بالديري، ولم يمض قليلٌ حتى عزل الديري وعاد عزُّ الدِّين دينار إلى منصبه، واستمر في الولاية على طريقته الجميلة، وخليقته التي تحاكي في الحُسن


(١) بواء، سواء. القاموس (بوء) ص ٣٤.
(٢) اللأْيُ: الإبطاء والشدَّة. القاموس (لأى) ص ١٣٢٩.
(٣) كأى: أوجع بالكلام. القاموس (كأى) ص ١٣٢٧.
(٤) شأى: سابق. القاموس (شأو) ص ١٢٩٨.
(٥) شرف الدين الخزنداري، ستأتي ترجمته في حرف الشين.