للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مارستاناً (١) للمرضى، ويعدُّ القيام بحاجتهم عليه حتماً فرضاً، لا يسمع بمريضٍ من الخُدَّام أو المجاورين، والفقراء والمسافرين، إلا ويُبادر في الحين إلى عِيادته، ويحمل إليه من الأشربة والأغذية الملوكية حسب شهوة المريض وإرادته، وإذا وُصِفَ لمريضٍ دواءٌ مفقود، يبذل في تحصيله النُّقود، ولا يُبقي في ذلك شيئاً من المجهود.

وأمَّا ما هو سهلُ الوجدان كالسُّكَّر والشَّرابات والمياه، فإنَّها مبذولةٌ لكلِّ سائل، محمولةٌ إلى منازل المرضى المتقطِّعةِ الوسائل، يبذل بذلَ الملوك ويعطي عطاء السَّلاطين، لا يُفرِّق عند التَّصدُّق بين التِّبْرِ والتِّين، ولا بين الطِّيب والطين، إذا سُئل سُكَّرةً أعطى شيئاً كثيراً، وإذا طُلب ماء وردٍ أوماء خِلاق (٢) ملأ الإناء ولو كان كثيراً، وإذا تحقَّق مريضاً داوم في بيته على طبخ الأغذية اللطيفة العطرةِ الفائقة، والأدوية المناسبة اللائقة، ويَحملها بنفسه ويُحضرها عنده، ولا يستعمل في ذلك أحداً، ولا غلامه ولا عبده، ولا يَخصُّ بعوارفه مَعارِفَه، بل يعمُّ به كلَّ مَنْ كان جاهلَه أو عارفَه.

وهذا شأنُه في كلِّ ما ملكت يمينه، ووراء ذلك بذلُ العِرض وكسرُ الوجه في مساعدة المُنكسِر المديون، والفقير الذي قلَّلت الدُّيون منه نور العيون، فإنه كان يجتهد في إرضاء مِدْيانِهم (٣)، وإن أحوج الحال إلى الضَّمان دخل بنفسه في ضمانِهم، ولقد ضمن مرَّةً نحو خمسين ألفَ درهمٍ فَطُولب بِها، وضيَّقَ عليه الغريم، فلم يكترث لذلك حتى فرَّج الله عنه ببركةِ هذا النبيِّ الكريم، تُوفي رحمه الله في عام أربعةٍ وثلاثين وسبعمائة.

* * *


(١) المرستان: المصحة أو المستشفى. المعجم الوسيط ٢/ ٨٦٣.
(٢) الخِلاق: ضربٌ من الطيب. اللسان (خلق) ١٠/ ٨٥.
(٣) المِدْيان: الذي يُقرض كثيراً. القاموس (دين) ص ١١٩٨.