للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والإمامة، ولا يقدر واحدٌ على استكمال سنةٍ لتسلُّط الإمامية وأذاهم. فتلا سراجَ الدِّين الشَّيخُ شمسُ الدِّين الحلبيُّ (١)، ثمَّ مِنْ بعدِه شرفُ الدِّين السِّنجاري (٢)، ثمَّ عاد سراج الدِّين إلى منصبه، ولم يزل مباشراً أربعين سنةً.

وأُوذي في أوائل مباشرته بأشدِّ أنواعِ الأذى، ورُمي في عين عيشه بقاف (٣) التَّحدِّي، ورأى منهم مالم يكن قد ظنَّ وحسب، ولكن وفَّقه الله حتى صبر واحتسب.

كان إذا صعِد المنبر ليخطبَ عاملوه بالتَّحصيب، وجعلوا له من الرَّمي بالحصباء أَوفرَ نصيب، فلمَّا تكرر ذلك تقدَّم الخُدَّام إلى بين يدي الخطيب، وهي سُنَّةٌ باقيةٌ إلى الآن، وخصلةٌ حميدةٌ لائقةٌ بشرف المكان.

وبلغ من أذاهم أنَّه كان يصبح وقد أُغلق عليه باب الدَّار، ولطَّخوا الباب بالعَذِرات والأقذار، وهو لكلِّ ذلك محتمِلُ صبَّار، وربَّما بسط عنهم الأعذار، فإنَّهم توارثوا الخطابة من زمن الفاطميين فشقَّ الفِطام، وصعُب انقطاع ما كان يُجمع لهم بِها من الحُطام، فإنَّه كان من خَلاّتِهم أنْ يُجمع للخطيب في الموسم مالٌ جزيل، ولا يُكمل خطبتَه حتى يُحصِّلَ ما فيه منه التَّأميل.

قال الفقيه أبو عبد الله بن جُبير (٤): شاهدنا بالمدينة في يوم الجمعة سابعِ المحرَّم من عام تسعٍ وخمسين وسبعمائة من أُمور البدعة أمراً يُنادي له الإسلامُ: ياللهِ، ياللمسلمين، وذلك أنَّ الخطيب وصل للخطبة فصعِدَ منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم


(١) نصيحة المشاور ص ٢٠٩.
(٢) نصيحة المشاور ص ٢٠٩: شرف الدين السخاوي. واسمه محمد بن موسى بن أبي بكر السخاوي المالكي، نزيل المدينة وقاضيها، ولد سنة ٨١٩ وتوفي سنة ٨٩٥ هـ.
(٣) بقاف التحدي، أي: بالتحدي كله. اللسان (قوف) ٩/ ٢٩٣.
(٤) رحلة ابن جبير ص ١٧٩، بتصرف يسير. وأبو عبدالله بن جبير هو محمد بن أحمد، ولد في بلنسية سنة ٥٣٩ هـ وتوفي في الإسكندرية سنة ٦١٤ هـ. شذرات الذهب ٦٠/ ٥.