للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خرَّج له الذَّهبيُّ (١) مشيخة جليلة، أعربَ بِها عن رحلة واسعةٍ وهِمَّةٍ أثيلة (٢).

وسمع بِمكَّة والمدينة كبارَها، وبيت المقدس والمِصْرَينِ (٣) نبلاءها وأخيارها.

ثُمَّ ارتَحل إلى بلاد ما وراء النَّهر، فأضاء نور شمسه هنالك وَبَهَر.

زيَّنَ خُوارزم بِحضرته، واستفاد فضلاؤها من بَهجةِ فضله ونُضرته، ودخل العراق مرَّات، وله بِها في ميدان السُّنة جولاتٌ وكرَّات، ووفد علينا بالآخرة مدينة /٥١٦ شيراز، وتُلُقِّيَ بالتَّعظيم والإعزاز، ونزل أوَّلاً بالمُعَزِّيَةِ نزيلاً لمعزِّ الدِّين ابنِ أخت قاضي القضاة مجدِ الدِّين، ثُمَّ انتقل إلى منازلنا وتأهل، وأرحب بحمد الله في انتماء واستنهل.

وصنَّفَ لسلطان فارس "الأربعين" وشَرَح، وأثنى في ديباجته على السُّلطان ومدح، فقابله بِمالٍ جزيل، ووفَّى حقَّه من التَّعظيم والتبجيل، وولاَّه درس الحديث في مسجد والده، وأولاه من خارف (٤) المال وتالده (٥)، وشاهد من مكارم أهل تلك البلاد، ما عوَّقه عن الرُّجعى إلى الأهل والأولاد.

وكثيراً ما كان ينشدنا رحمه الله:

ولا عيبَ فيكم غير أنَّ ضُيوفكم … تُعَابُ بنسيانِ الأحبَّة والوطَنْ


(١) اسمه محمد بن أحمد، المحدِّث، المؤرخ المشهور، المتوفى سنة ٧٤٨، صاحب سير أعلام النبلاء وغيرها. الدرر الكامنة ٣/ ٣٣٦.
(٢) أثيلة: أصيلة. القاموس (أثل) ص ٩٦٠.
(٣) المِصْرَان هما الكوفة والبصرة. القاموس (مصر) ص ٤٧٦.
(٤) سمّي الخريف خريفاً؛ لأنه تخرف فيه الثمار، أي: تجنى، فسمي المال خارفاً على سبيل الاستعارة. يريد الحديث العهد، كما قالوا: اللبن الخريف، أي: الطري الحديث العهد بالحلب. اللسان (خرف) ٩/ ٦٢ - ٦٤.
(٥) التَّالد: القديم. القاموس (تلد) ص ٢٧٠.