للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النُّزَافة (١) رَحْضه (٢)، كان يقف على قدميه طول النَّهار (٣)، ويذهب إلى أسطوانٍ بأُخريات المسجد حَذاراً عن الإظهار، وفراراً من الاشتهار، فلم يبرح قائماً كأحد الأساطين المؤسَّسة، ولا يُفارق مكانه إلا لأداء الفرائض بالرَّوضة المقدَّسة. وهذا شأنه وقد ترفَّع سِنُّه وتَقَعْقَع شَنُّه (٤)

وتَتَعْتَع بُنيانه، وتزعزع جثمانه، وتضعضع أركانه، وهويِ قَلبُه على ذلك دينَه وإيِمانَه، وصدقهَ وإيقانه، ونور قلبه الذي يهزُّ على ضعف بدنه برهانه، وأمَّا بذله للدُّنيا فَحدِّثْ عن البحر ولا حرج، يعطي عطاء مَنْ فارق الدَّنيا ومنها خرج، وإذا وهب المال، وهب من لزمه الشَّمال، ولا يعقل الفضة على الفضة، ولا الذهب على الأَهَب (٥)، ولا اللآل على اللآل.

له في مقام البذل مقامات، وحكاياتٌ غرائبُ تشبه المنامات، بنى بالمدينة رباطين، واغتبط بوقفهما اغتباطين، وقف أحدهما على النِّساء


(١) الماء القليل. قال الجوهري: النُّزفةُ بالضم: القليل من الماء أو الشراب. الصحاح (نزف) ٤/ ١٤٣١.
(٢) الرحض: الغسل. يقال: رحضتُ يدي وثوبي: غسلته. الصحاح (رحض) ٣/ ١٠٧٧.
(٣) لم نتعبد بطول الوقوف ولامعنى لهذا في الشرع بل يخشى أن يكون من البدع المحدثة. إلا إن قصد المؤلف بذلك طول الوقوف للصلاة فهذا شأن آخر لكن يشكل عليه كيف يتنفل هذا العالم طول النهار وقد وردت السنة بالنهي عن الصلاة في أوقات النهي مع مافي ذلك من المشقة المخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
(٤) كناية عن اتِّضاعه لحوادث الدهر وضعفه، ففي المثل: وما يُقَعْقع له بالشِّنان، يُضرب لمن لا يتضع لحوادث الدهر، ولا يروعه ما لا حقيقة له. القاموس (قعقع) ص ٧٥٤.
(٥) الأُهب: جمع إِهاب، وهو الجلد مالم يدبغ، والجمع: أَهَبٌ على غير قياس، وقد قالوا: أُهُبٌ بالضم، وهو قياسٌ. الصحاح (أهب) ١/ ٨٩. يريد: لا يدَّخر أمواله في الجلود، بل يُنْفقها.