للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الدَّنيَّة، وكان شَكِسَ الأخلاق، شَرِس التَّلاقِ، صَلْبَ العود شديدَ النِّزاق (١) ومع ذلك ذا حَنَقٍ (٢) شديد، وحقدٍ عن التَّصافي بعيد، إذا اسْتُرْضِيَ لا يرضى، ولا يُزيل العُتبى على أمرٍ أضرَّ قلبه مَرضى، ويَرى في تلك الحالة طلاقةَ الوجه ولينَ الكلام فَرضاً.

كان من إخوانه في الله، وخِلاَّنه لله الشَّيخُ العالمُ المُقرئ الكبير الشَّأن عبدُالرَّحمن بنُ ياقوت المؤذِّن (٣)، اتَّفقَ له السَّفَرُ معه إلى الدِّيار المصرية، فبات معه ليلةً في دارٍ واحدة، فهبَّ الشَّيخُ عبد الرحمن من نومه دَهِشَاً رَعِشاً، مسلوبَ العقل، مغلوب الخَتل (٤)، فلم يكن له دأبٌ غير أنْ سلَّ السَّيف ونزل به على الشَّرف بضربة، لو أصابَتْه أَحْطَأَتْهُ (٥) لكنه أَخْطَأَتْهُ، فأُمسك وأُلقي في القيد إلى أنْ رجع إلى عقله، فسعى به الشَّرَفُ عند أرباب الدَّولة حتى سُجن، ثمَّ جُعل في رِجلهِ قيدٌ، وأُدخل في زُمَرِ المُقَيَّدِين من أرباب الكبائر والذُّنوب العظائم، وهو ضعيفُ البِنية، لطيف الهيئة، كثير الصَّوم والعبادة، دائم الذِّكر والتِّلاوة، واستمرَّ على ذلك مُدَداً، وشَفِع فيه النَّاس فلم يُشفِّع أحداً، إلى أَنْ سخَّر الله له من سهَّلَ له المجاز، وأرسله إلى الحجاز، فلمَّا وصل الشرف تتبعه في طائفه (٦) وفي نفسه وعياله، وسعى عند الأشراف ليخرجوه من المدينة فلم يُجب إلى ذلك، ولم يزل كذلك إلى أَنْ طالت المُدَّة، وهلك الشَّرَف، وعاش الشَّيخُ


(١) النزاق: الخِفَّة عند الغضب. القاموس (نزق) ص ٩٢٥.
(٢) حنق: غيظٍ. القاموس (حنق) ص ٨٧٧.
(٣) عبدالرحمن بن ياقوت المدني المؤذن. كان كبير القدر في القراءة مع حسن الصوت وسلامة الصدر وحسن الخلق. التحفة ٢/ ٥٤٨. نصيحة المشاور ص ٤٩.
(٤) الختل: الحيلة والخديعة. القاموس (ختل) ص ٩٩١.
(٥) أحطأته: صرعته. القاموس (حطأ) ص ٣٧.
(٦) الطائف: الشرطة والعسس. القاموس (طوف) ص ٨٣٣.