للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَزْمِه عن قَبول الفُضول ونبَا، فأقبلوا على زيَّان (١)، واجتمع عليه الحيَّان، فقال: حاشايَ أن أتقدَّم على أخي عطَّية، فإنَّ تقدُّمي عليه خطأٌ أو خطيَّة، وهو أصلحُنا وأولانا، وأَسْوَدُنا وأعلانا، وخيرُنا في ديننا ودُنيانا، وعليه تقع قرعة الاختيار ولا ثُنْيَانا (٢).

فاتَّفقت الآراءُ على تقديمه وتأميره، وتسويده في الأَشراف وتكبيره، كلُّ ذلك وهو غائبٌ في عَرَبِه، وليس هذا الأمُر من بُغْيَته ولا أَرَبِه.

فكُتب إلى السُّلطانِ شفاعة في أَنْ يُوَلِّي عليهم الأمير عطيَّة، وأنَّهُ أوفقُ وأصلحُ للمدينة والرَّعية.

وسافَر نُعيرٌ بالشَّفاعة إلى السُّلطانِ، فلمَّا وصل مصر أمر بحبسه شهراً من الزَّمان، ثُمَّ طُلب وخُلِع عليه، وكُتب تقليدٌ للأمير عطية بالولاية وجهَّز صُحبتَه إليه.

فحضر نُعيرٌ في ثامن ربيعٍ الآخر سنةَ ستين بالخِلْعة والتَّقليد، وحضر الأمير عطيةُ ولبِسها وباشر الولايةَ بالطَّالع السَّعيد، والرَّأي السَّديد، والسَّبْرِ (٣) المَحمود، والسَّيرِ الحَميد.

فلم يزلْ في ولايته ساعياً في مصالح المسلمين، راعياً للبلاد بالتَّطمين والتَّأمين، داعياً إلى الله بما يجب على كلِّ مسلمٍ التَّأمين، سَائساً للمُلك سياسةً مقطوعةَ العيوب، ماشياً بسيرةٍ أحيت بِها شيئاً من سير ابن أَيُّوبِ (٤)، شِيمتُه


(١) زيّان بن منصور بن جماز بن شيحة، أو حميد الحسيني، جد آل زيان المنسوبين إليه، كان هو وأخوه في مقتلة بالمدينة المنورة سنة ٧٣٦ هـ. نصيحة المشاور ص ٢٦٠، التحفة ٢/ ٩١.
(٢) الثنيان بالضم: الذي بعد السيد. وجاء في الحاشية: قال أبو عبيد: يقال للذي يجئ ثانياً في السؤدد، ولايجئ أولاً. القاموس (ثَنَيَ) ص ١٢٦٨.
(٣) السَّبْر: الهيئة الحسنة. القاموس (سَبَرَ) ص ٤٠٤.
(٤) يريد بذلك: السُّلطانَ صلاح الدِّين الأيوبيَّ، رحمه الله.