للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المَقَاول (١) بجزيل شكره.

فلمَّا طالت بالمدينة إقامته، وطالت كلَّ مطاولٍ بالطُّول قامته، احتفَّت (٢) به طوائفُ أغمارٌ شباب، ممن لم تُحنِّكه اللَّيالي ولم يعضَّه الدَّهر بناب، وأظهروا له الخلوص في الوِدَادة والحِبَاب، ودخلوا على غفلةٍ من كلِّ باب، ولم يبرحوا متلاعبين بعقله، متجاذبين لِنَمِّ الكلام ونقله، إلى أن كدَّروا وِرْدَه /٥٢٣ النَّمير، وغيروا عليه الصَّغير والكبير، وأوقعوا بينه وبين الخُدَّام، وبدَّلوا إضاءة محبَّتهم واعتقادهم بالإظلام، وخلطوا أَضاة (٣) أُلفتهم بشوائب من قبيح الكلام، وتَحزَّبت النَّاسُ حينئذ أحزاباً، وفتحوا إلى إثارة الفتن أبواباً، وحصره الخُدَّام يوماً في داره، ومعهم جماعةٌ من مناحِيس البلد وأشراره.

واتَّفق له معهم شرور في ذلك النَّهار، ولولا صيانةُ الله تعالى إياه لَكَادت الجُرُف تنهار، ويُقدمون على إذهاب نفسه ونفيسه، وانتهاب طارفه وتالده (٤)، وتذكير النَّاس بِما جرى في الدَّار لِسَميِّ والده (٥).

وكان قد فوَّض أوَّل مرَّةٍ أحكام الحَرمِ والوظائفَ، والكلامَ في الرُّبُطِ والأوقاف إلى شيخ الخدام، وأراد بالآخرة أن يعيد ما يتعلَّق به إليه فما أعاد، ولا نفع الكلام فيه ولا أفاد، وتمكَّنَ الشَّرُّ واستحكم الفساد، فأعرض عن الفضول، ودارى بقيَّةَ السَّنَة شبه المعزول.

فلمَّا حضر الموسم توجَّه مع الركب المِصريِّ إلى الدّيار


(١) المقاول: جمع مِقْوَلٍ، وهو اللِّسان أيضاً. القاموس (قول) ص ١٠٥١.
(٢) احتفت: أحاطت. اللسان (حفف) ٩/ ٤٩.
(٣) أصل الأضاة: المُستنقِع من سيلٍ وغيره. القاموس (أضي) ص ١٢٥٩، فشبَّه مودتهم بماء السيل الصافي، ثم خلطوه.
(٤) الطَّارف: المال المستحدث، والتَّالد: القديم. القاموس (طرف) ص ٨٣١.
(٥) سَمِيُّ والده عثمان بن عفان رضي الله عنه.