للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

حتى سكنا السُّنح، وابتنوا أطماً يقال له: السُّنح، وبه سُمِّيت تلك الناحية السُّنح.

ولما قُبض النبي صلى الله عليه وسلم ارتفعت الرَّنة (١) وسجى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الملائكةُ، دَهِشَ النَّاس، وطاشت عقولهم، وأُفحموا واختلطوا، فمنهم من خُبل، ومنهم من أُصمت، ومنهم من أُقعد إلى الأرض، فكان عمر رضي الله عنه ممن خُبل، وجعل يصيح ويحلف: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، وكان ممن أُخرس عثمان رضي الله عنه، حتى جعل يُذهب به ويجاء، ولا يستطيع كلاماً، وكان ممن أُقعد عليٌّ رضي الله عنه، فلم يستطع حراكاً، وبلغ الخبر أبا بكر رضي الله عنه، وهو بالسُّنح، فجاء، وعيناه تهملان، وزَفَراته تتردَّد في صدره، وغصصه ترتفع لقطع الجَرَّة (٢)، وهو في ذلك جَلْدُ العقل والمقالة، حتى دخل عليه صلى الله عليه وسلم فأكبَّ عليه، وكشف عن وجهه ومسحه، وقبَّل جبينه، وجعل يبكي، ويقول: بأبي أنت وأمي، طبتَ حيَّاً وميتاً، وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحدٍ من الأنبياء من النبوة، فَعَظُمْتَ عن الصفة، وجلَلْتَ عن البكاء، وخصصت حتى صرتَ مسلاةً، وعممت حتى صرنا فيك سواءً، ولو أن موتك كان اختياراً لجدْنا لموتك بالنفوس، ولولا أنَّك نَهيت عن البكاء لأنفدنا فيك ماء الشُّؤون (٣)، فأما مالا نستطيع نفيه فكمد وإدناف (٤) يتحالفان لا يبرحان، اللهُم فأبلغه عنَّا؟ اذكرنا يا محمدُ عند ربِّك، ولنكن من بالك، فلولا ما خَلَفت من السكينة لم نقم لما خلَّفت من الوحشة. اللهم أبلغ نبيك عنَّا واحفظه فينا. ثم خرج (٥).


(١) الرَّنة: الصوت. القاموس (رنّ) ص ١٢٠١.
(٢) الجرة: اللُّقمة. القاموس (جرر) ص ٣٦٣. ووقع في الأصل: بالحاء.
(٣) جمع شأن، وهو مجرى الدمع إلى العين. القاموس (شأن) ص ١٢٠٨.
(٤) الدَّنف: المرض. القاموس (دنف) ص ٨١٠.
(٥) انظر: البخاري، المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، … رقم:٤٤٣٥،٤٤٣٦،٤٤٣٧،٤٤٣٨،٤٤٤٠،٤٤٥٢،٤٤٥٣،٤٤٥٤،٤٤٥٥.