للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أعرابيٌّ قد كوَّرَ عِمامته، وتنكَّب قوسه، ورقي المنبر، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، وصلى على نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قال: أيُّها النَّاس، اعلموا أنَّ الدُّنيا دارُ ممرٍّ، والآخرة دار مقرّ، فخذوا من مَمرِّكم لمقرِّكم، ولا تهتكوا أستاركم عند مَنْ يعلم أسراركم، فإنَّما الدُّنيا سُمٌّ أكَلَهُ مَنْ لا يعرفه، أمّا بعد؛ فإنّ أمس موعظة، واليومَ غنيمة، وغداً لا يُدْرى مَن أهله، فاستصلحوا ما تَقدَمون عليه بما تظعنَون عنه. واعلموا أنه لا مهرب من الله إلا إليه، وكيف يَهربُ مَنْ يتقلَّب في يدي طالبه؟ فـ {كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموت، وإنَّما تُوفَّون أجورَكم} (١) ـ الآية ـ ثمَّ قال: المخطوب له مَنْ قد عرفتموه. ثمَّ نزل.

وقال نُصَيْب (٢):

ألا يا عُقابَ الوَكْرِ، وَكْرِ ضَرِيَّةٍ … تمرُّ الليالي ما مررنَ ولا أَرى

سقَتْك الغوادي من عُقَابٍ ومن وَكْرِ … ممرَّ اللَّيالي يُنسياني ابنةَ النضْرِ

وحكى ابنُ جنيٍّ في كتاب النَّوادر الممتعة بسنده، عن الفضل بن إسحاق (٣) قال ـ أو قال بعض المشيخة ـ قال: لقيتُ أعرابياً فقلت: ممنّ الرَّجل؟ فقال: من بني أسد. فقلتُ: فمن أين أقبلتَ؟ قال: من هذه البادية. قلت: فأين مسكنُك منها؟ فقال: مساقط الحِمى حِمى ضَرِيَّة، بأرضٍ ـ ها لَعَمْرُ الله ـ ما نريد بِها بدلاً عنها ولا حِوَلاً، قد نفحتها الغَدَوات، وحفَّتها الفَلَوات، فلا يملولح ترابُها، ولا يمْعَرُ (٤) جنابها، ليس فيها أذى ولا قذى،


(١) سورة (آل عمرآن) آية رقم: ١٨٥.
(٢) البيتان في فرحة الأديب ص ١٢٦، معجم ما استعجم ٣/ ٨٧٤، معجم البلدان ٣/ ٤٥٨.
(٣) لم أجده، وفي وفاء الوفا ٣/ ١١٠١: المفضل.
(٤) لايمعر: لا يفنى زادها ومرعاها. القاموس (معر) ص ٤٧٧.