للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"فيكون كلُّ سنة من هاتين السنتين مستقلة في موضعها، ولا تبطل كل واحدة الأخرى؛ لأن معنى كل سنة منهما غير معنى الأخرى"، لا سيما وقد عمل بالحديث الأول جماعة من الصحابة، فيهم ثلاثة من فقهاء الصحابة: أبو هريرة، وجابر، وأسيد بن حضير، ولا يُعلم لهم مخالف من الصحابة، وقد عدَّه ابن حبان إجماعًا من الصحابة على ذلك -كما سيأتي نقل كلامه-، مما يدل على كون هذا الحكم محكمًا ليس منسوخًا، قال أبو بكر بن المنذر (٤/ ٢٠٥): "ولو كان ذلك منسوخًا ما استعملوه، وهم بالناسخ والمنسوخ من أخباره أعلم بمن بعدهم، والدليل على ذلك أن من بعدهم إنما يأخذ معرفة الأخبار بالأمر والنهي، والناسخ والمنسوخ عنهم، ولو كان عندهم في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم، لصاروا إليه بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يخالفوه"، والله أعلم.

• ونذكر أقوال الأئمة في هذه المسألة -مرتبة حسب وفياتهم-، فإن فيها فائدة: قال عبد الرزاق في المصنف (٢/ ٤٦٣): "وما رأيت الناس إلا على [أن] الإمام إذا صلى قاعدًا صلى من خلفه قعودًا، وهي سنة من غير واحد".

وهذا يدل على انتشار هذا القول بين الصحابة والتابعين ومن تبعهم حتى أصبح سنة متبعة، وهذا يؤيد ما ذهب إليه ابن حبان من دعوى الإجماع، والله أعلم.

وذكر ابن أبي شيبة أحاديث الباب في كتاب الرد على أبي حنيفة، فيما خالف به أبو حنيفة الأثر الذي جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٧/ ٢٨٦)، محتجًا بها على أبي حنيفة، ثم قال: "وذكر أن أبا حنيفة قال: لا يؤم الإمام وهو جالس".

وقال البخاري بعد الحديث (٦٨٩): "قال الحميدي: قوله: "إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا" هو في مرضه القديم، ثم صلى بعد ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسًا والناس خلفه قيامًا، لم يأمرهم بالقعود، وإنما يُؤخَذ بالآخر فالآخر من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -".

وقال الترمذي بعد حديث أنس: "وقد ذهب بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الحديث، منهم: جابر بن عبد الله، وأسيد بن حضير، وأبو هريرة، وغيرهم، وبهذا الحديث يقول: أحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: إذا صلى الإمام جالسًا لم يُصَلِّ من خلفه إلا قيامًا، فإن صلوا قعودًا لم تجزهم، وهو قول: سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وابن المبارك، والشافعي".

وقال البزار (١٣/ ١٥٧): "وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا" منسوخ، نسخه فعله - صلى الله عليه وسلم - عند موته، لأنه صلى قاعدًا والناس خلفه قيام، وإنما يؤخذ بالآخر ما فعله من فعله".

وقال ابن خزيمة (٣/ ٥٤): "قال قوم من أهل الحديث: إذا صلى الإمام المريض جالسًا صلى من خلفه قيامًا إذا قدروا على القيام، وقالوا: خبر الأسود وعروة عن عائشة ناسخ للأخبار التي تقدم ذكرنا لها في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالجلوس إذا صلى الإمام جالسًا، قالوا: لأن تلك الأخبار عند سقوط النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفرس، وهذا الخبر في مرضه

<<  <  ج: ص:  >  >>