للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الذي توفي فيه، قالوا: والفعل الآخر ناسخ لما تقدم من فعله وقوله.

قال أبو بكر [ابن خزيمة]: وإن الذي عندي في ذلك -والله أسأل العصمة والتوفيق-: أنه لو صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان هو الإمام في المرض الذي توفي فيه، لكان الأمر على ما قالت هذه الفرقة من أهل الحديث، ولكن لم يثبت عندنا ذلك؛ لأن الرواة قد اختلفوا في هذه الصلاة على فرق ثلاث،. . .".

ثم ذكر الروايات عن عائشة، والتي وقع فيها الاختلاف، فمنهم من يقول: كان أبو بكر المقدَّم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم من قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - المقدَّم بين يدي أبي بكر، ثم قال: "فغير جائز لعالم أن يدعي نسخ ما قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأخبار المتواترة بالأسانيد الصحاح من فعله وأمره بخبر مختلف فيه"، ثم ذكر بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علل النهي عن القيام خلف الإمام القاعد بمشابهة فعل فارس والروم، ولم ينقل إلينا نسخ هذا النهي عن التشبه بهم، إلى أن قال: "فإن قال قائل غير منعم الروية: كيف يجوز أن يصلي قاعدًا من يقدر على القيام؟ قيل له: إن شاء الله يجوز ذلك أن يصلي بأولى الأشياء أن يجوز به، وهي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، أمر باتباعها، ووعد الهدى على اتباعها، فأخبر أن في طاعته - صلى الله عليه وسلم - طاعة لله عز وجل،. . . ثم لخص قوله في المسألة بأن قال: "فلا يجوز ترك ما قد صح من أمره - صلى الله عليه وسلم - وفعله في وقت من الأوقات، إلا بخبر صحيح عنه ينسخ أمره ذلك وفعله، ووجود نسخ ذلك بخبر صحيح معدوم، وفي عدم وجود ذلك بطلان ما ادعت، فجازت الصلاة قاعدًا إذا صلى الإمام قاعدًا اقتداء به، على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله، والله الموفق للصواب".

قلت: قد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى بأبي بكر، وأنه صلى خلف أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه، لا تعارض في ذلك ولا اضطراب، لكن تحمل صلاة الناس خلفه - صلى الله عليه وسلم - قيامًا وهو جالس على أنه لم يكن قد ابتدأ بهم الصلاة، وإنما افتتحها لهم أبو بكر فأتمها بهم قيامًا، وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا، بخلاف ما ابتدأ بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة لهم جالسًا فقد أمرهم حينئذ بالجلوس، كما قال الإمام أحمد، وقد زاد ابن خزيمة هنا حجة أخرى لهذا القول الصحيح، وهي أن أمر المأمومين بالجلوس خلف الإمام الجالس قد عُلِّل بعلة لم تنسخ، وهي عدم مشابهة فارس والروم في قيامهم على ملوكهم وهم قعود، فدل على عدم نسخ هذا الحكم المقترن بهذه العلة، وكذلك علله بطاعة الأئمة كما في حديث ابن عمر، وطاعة الأئمة لم تنسخ، والله أعلم.

وقال ابن المنذر في الأوسط (٤/ ٢٠٤) بعد أن ذكر التعارض في خبر عائشة - رضي الله عنها -، حيث ذكر بعضهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الإمام، وذكر آخرون أن الإمام كان أبا بكر، قال ابن المنذر: " [لما] اختلفت الأخبار في صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه حين خرج إلى المسجد، وتعارضت، لم يجز نسخ ما هو يقين وما قد ثبتت الأخبار به، ولم يختلف من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين صلوا خلفه قيامًا بالقعود لأخبار مختلف فيها؛ لأن الاختلاف شك، والإجماع يقين، غير جائز الانتقال من اليقين إلى الشك، وكذلك غير جائز نسخ بما

<<  <  ج: ص:  >  >>