للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قد ثبت ولم تختلف الأخبار فيه، بما قد اختلفت الأخبار فيه، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهاهم إذا صلى إمامهم قاعدًا أن يصلوا قيامًا، وعرفهم أن ذلك فعل فارس والروم بعظمائها، يقومون وملوكهم قعود،. . .

قال أبو بكر [ابن المنذر]: ومما يزيد ما قلنا وضوحًا وبيانًا استعمال غير واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم بعد وفاته، ولو كان ذلك منسوخًا ما استعملوه، وهم بالناسخ والمنسوخ من أخباره أعلم بمن بعدهم، والدليل على ذلك أن من بعدهم إنما يأخذ معرفة الأخبار بالأمر والنهي، والناسخ والمنسوخ عنهم، ولو كان عندهم في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم، لصاروا إليه بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يخالفوه".

ثم قال (٤/ ٢٠٧): "وهذا قول أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، قال أحمد: كذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفعله أربعة من أصحابه: أسيد بن حضير، وقيس بن قهد، وجابر، وأبو هريرة.

قال أبو بكر: وكان أحق الناس بالاستدلال بفعل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن ذلك غير منسوخ: مَنْ جعل مشي ابن عمر بعد بيعه، بأنها أحد الدلائل على أن الافتراق في البيوع افتراق الأبدان لما روى ابن عمر الحديث، قال: ابن عمر أعلم بتأويل حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن بعده، فكذلك لما كان فيما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره الذين صلوا خلفه قيامًا بالقعود: أبو هريرة، وجابر، ثم استعملوا ذلك بعد وفاته، وجب كذلك على هذا القائل أن يقول: أبو هريرة وجابر أعلم بتأويل حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبناسخه ومنسوخه ممن بعده.

ولو لم تختلف الأخبار في أمر أبي بكر في مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجز الانتقال عما سنه النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم، وأمرهم بالقعود إذا صلى إمامهم قاعدًا؛ لأن الذي افتتح بهم الصلاة أبو بكر، فوجب عليهم القيام لقيام أبي بكر بهم، لما لم يحدث بإمامهم الذي عقد بهم الصلاة بأن به علة توجب الجلوس، فعليهم أن يفعلوا كفعل إمامهم، وإن تقدم إمام غير الإمام الذي عقدوا الصلاة معه، فصلى جالسًا فليس عليهم الجلوس ما دام الإمام الذي عقدوا الصلاة معه قائمًا، فإذا كانت الحال هكذا في حدوث إمام بعد إمام استعمل ما جاءت به الأخبار في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي مات فيه، وإذا كان مثل الحال الذي صلى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في منزله، وافتتح بهم الصلاة قاعدًا فعليهم القعود بقعوده، فيكون كلٌّ سنة من هاتين السنتين مستقلة في موضعها، ولا تبطل كل واحدة الأخرى؛ لأن معنى كل سنة منهما غير معنى الأخرى، وقد تأول هذا المعنى بعينه أحمد بن حنبل، وكان أولى الناس بأن يقول هذا القول: مَنْ مذهبه استعمال الأخبار كلها إذا وجد إلى استعمالها سبيلًا، كاختلاف صفة صلاة الخوف على اختلاف الأحوال فيها، هذا لو كانت الأحوال لا تختلف في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه.

وقالت طائفة: إن صلى الإمام قاعدًا صلى المأمومون قيامًا إذا أطاقوا، وصلى كل واحد فرضه، هذا قول الشافعي، وقال: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس ومَن حدَّث معه في

<<  <  ج: ص:  >  >>