للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه صلى بهم جالسًا ومن خلفه جلوس، منسوخ بحديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم في مرضه الذي مات فيه جالسًا وصلوا خلفه قيامًا.

وقال سفيان الثوري في رجل صلى بقوم جالسًا مريضًا وهم جلوس، قال: لا يجزيه، ولا يجزيهم، وقال أصحاب الرأي في مريض صلى قاعدًا يسجد ويركع، فائتم به قوم فصلوا خلفه قيامًا، قال: يجزيهم، وإن كان الإمام قاعدًا يومي إيماءً، أو مضطجعًا على فراشه يومي إيماءً، والقوم يصلون قيامًا، قال: لا يجزيه، ولا يجزي القوم في الوجهين جميعًا، وقال أبو ثور كما قال الشافعي.

وفي هذه المسألة قول ثالث، قاله مالك، قال: لا ينبغي لأحد أن يؤم الناس قاعدًا، وحكي عن المغيرة أنه قال: ما يعجبني أن يصلي الإمام بالقوم جلوسًا، وقد روينا عن جابر الجعفي، عن الشعبي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يؤمن أحد بعدي جلوسًا".

قال أبو بكر: وهذا خبر واهٍ تحيطه العلل، جابر متروك الحديث، والحديث مرسل، وهو مخالف للأخبار الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا.

وقال الطحاوي في شرح المعاني (١/ ٤٠٧): "فإنا رأينا الأصل المجتمع عليه: أن دخول المأموم في صلاة الإمام قد يوجب فرضًا على المأموم، ولم يكن عليه قبل دخوله، ولم نره يسقط عنه فرضًا قد كان عليه قبل دخوله، فمن ذلك: أنا رأينا المسافر يدخل في صلاة المقيم، فيجب عليه أن يصلى صلاة المقيم أربعًا، ولم يكن ذلك واجبًا عليه قبل دخوله معه، وإنما أوجبه عليه دخوله معه، ورأينا مقيمًا لو دخل في صلاة مسافر صلى بصلاته حتى إذا فرغ أتى بتمام صلاة المقيم، فلم يسقط عن المقيم فرض بدخوله مع المسافر، وكان فرضه على حاله غير ساقط منه شيء، فالنظر على ذلك أن يكون كذلك الصحيح الذي كان عليه فرض القيام إذا دخل مع المريض الذي قد سقط عنه فرض القيام في صلاته أن لا يكون ذلك الدخول مسقطًا عنه فرضًا كان عليه قبل دخوله في الصلاة".

وقال في المشكل (١٤/ ٣١٨): "فكان في هذه الآثار ما قد ذكرناه من صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا بالناس وهم قيام، فدل ذلك على نسخ ما كان منه قبل ذلك في الآثار الأول"، ثم قال: "وإن فيما قد بيّنّا من إمامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا والناس قيام: كان أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد بن إدريس الشافعي رحمهم الله تعالى يذهبون إليه في إجازة إمامة القاعد الذي يركع ويسجد للقائمين الذين يركعون ويسجدون، لأن القعود الذي فيه الركوع والسجود لما كان بدلًا عن القيام كان البدل كالمبدل منه، وكان فاعل البدل كفاعل المبدل، فجاز أن يكون إمامًا لأهله، هذا هو القياس في هذا الباب، وقد كان مالك بن أنس ومحمد بن الحسن يذهبان في ذلك إلى أن لا يؤم قاعد قائمًا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويذهب إلى أن الذي كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الصلاة خاصًّا، ليس لأحد من أمته ذلك سواه، وليس لأحد أن يخص شيئًا كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بما يوجب له من توقيف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس عليه، وبالله التوفيق".

<<  <  ج: ص:  >  >>