للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: الأولى الوقوف مع الأثر، وعدم تحكيم القواعد في الأدلة، وإنما الأدلة هي التي تستنبط منها القواعد، فنحن لا نتحاكم إلى ما صنعناه بعقولنا، وإنما نتحاكم إلى الخبر الوارد من السماء، وليس لأحد معه قول، كائنًا من كان، فإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أمر القائم الصحيح أن يصلي جالسًا بصلاة إمامه الجالس، واستعمله بعده أربعة من الصحابة، ولا يُعلم لهم فيه مخالف، وعُدَّ ذلك إجماعًا، فهل نحن إذًا الذين أسقطنا عنه فرضًا قد كان واجبًا عليه قبل الدخول في صلاة الإمام، أم أن الذي أسقط عنه ذلك هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي لا قول لأحد معه، والله الموفق للصواب.

وقال ابن حبان بعد حديث عائشة من طريق مالك (٥/ ٤٦٤): "هذه السنة رواها عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: أنس بن مالك، وعائشة، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبو أمامة الباهلي، وهو قول: أسيد بن حضير، وقيس بن قهد، وجابر بن عبد الله، وأبي هريرة، وبه قال: جابر بن زيد، والأوزاعي، ومالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، وأبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي، وأبو خيثمة، وابن أبي شيبة، ومحمد بن إسماعيل، ومن تبعهم من أصحاب الحديث، مثل: محمد بن نصر، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة".

وقال بعد حديث ابن عمر (٥/ ٤٧١): "في هذا الخبر بيان واضح أن صلاة المأمومين قعودًا إذا صلى إمامهم قاعدًا من طاعة الله جل وعلا التي أمر عباده، وهو عندي ضرب من الإجماع الذي أجمعوا على إجازته؛ لأن من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة أفتَوا به: جابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأسيد بن حضير، وقيس بن قهد، والإجماع عندنا إجماع الصحابة الذين شهدوا هبوط الوحي والتنزيل، وأعيذوا من التحريف والتبديل، حتى حفظ الله بهم الدين على المسلمين، وصانه عن ثَلْمِ القادحين، ولم يُرْوَ عن أحد من الصحابة خلاف لهؤلاء الأربعة، لا بإسناد متصل ولا منقطع، فكأن الصحابة أجمعوا على أن الإمام إذا صلى قاعدًا كان على المأمومين أن يصلوا قعودًا، وقد أفتى به من التابعين: جابر بن زيد أبو الشعثاء، ولم يُرْوَ عن أحد من التابعين أصلًا بخلافه، لا بإسناد صحيح ولا واهٍ، فكأن التابعين أجمعوا على إجازته، وأول من أبطل في هذه الأمة صلاة المأموم قاعدًا إذا صلى إمامه جالسًا: المغيرة بن مقسم صاحب النخعي، وأخذ عنه حماد بن أبي سليمان، ثم أخذ عن حماد أبو حنيفة، وتبعه عليه من بعده من أصحابه، وأعلى شيء احتجوا به فيه: شيء رواه جابر الجعفي، عن الشعبي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَؤُمَّنَّ أحدٌ بعدي جالسًا"، وهذا لو صح إسناده لكان مرسلًا، والمرسل من الخبر وما لم يُرْوَ: سِيَّان في الحكم عندنا، لأنا لو قبلنا إرسال تابعي وإن كان ثقة فاضلًا على حسن الظن، لزمنا قبول مثله عن أتباع التابعين، ومتى قبلنا ذلك لزمنا قبول مثله عن تَبَعِ الأتباع، ومتى قبلنا ذلك لزمنا قبول مثل ذلك عن تُبَّاع التبع، ومتى قبلنا ذلك لزمنا أن نقبل من كل إنسان إذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذا نقض الشريعة، والعجب ممن يحتج بمثل هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>