للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذا المعنى، وهو أن الليث أخذ عن كتب معاوية وأصوله سماعًا وعرضًا -عن طريق كاتبه عبد الله بن صالح-، ما رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (٤٦٥)، قال: "حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم [دحيم]، قال: قدمت مصر بعد موت عبد الله بن وهب سنة ثمان وتسعين ومائة، فكتبت كتب معاوية بن صالح، عن عبد الله بن صالح"، وقال ابن عدي في كامله (٦/ ٤٠٦): "وعند أبي صالح كاتب الليث عن معاوية بن صالح: كتاب طويل، ونسخة حسنة".

فإن قيل: قد كان أيضًا لعبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح كتاب، فقد قال ابن عدي في كامله (٦/ ٤٠٥): "وعند ابن وهب عن معاوية بن صالح عن مشايخه كتاب، ونسخة طويلة"، فيقال: لكن لم يُذكر عن ابن وهب في تحمله عن معاوية مثل ما ذُكر عن الليث، أو أنه أخذ عنه سماعًا وعرضًا، أو أنه قابل على أصوله، فتبقى التبعة عندئذ على معاوية بن صالح إذا تبين لنا أنه وهم، أو أخطأ، أو تفرد بما لم يتابع عليه، ولذا ختم ابن عدي ترجمته بقوله: "ولمعاوية بن صالح غير ما ذكرت: حديث صالح، عند ابن وهب عنه كتاب، وعند أبي صالح عنه كتاب، وعند ابن مهدي ومعن عنه أحاديث عداد، وحدث عنه: الليث، وبشر بن السري، وثقات الناس، وما أرى بحديثه بأسًا، وهو عندي صدوق؛ إلا أنه يقع في أحاديثه إفرادات". وكما قلت، فإن هذا الحديث مما تفرد به معاوية، واختلف عليه في إسناده، مما يدل على أنه لم يضبطه، والأقرب عندي أنه حدث به الليث على الصواب مرسلًا، وحدث به ابن وهب على الوهم متصلًا، وذلك لما سبق بيانه، ونزيده إيضاحًا.

إذ يحتمل أن يكون الليث أخذ عن معاوية مرتين، مرة حين قدم مصر في طريقه إلى الأندلس، ومرة حين رجع في طريقه للحج، وأن يكون ابن وهب لصغره إنما حمل عن معاوية مع الناس حين حج، فإن ابن وهب ولد سنة (١٢٥)، وطلب العلم وهو ابن (١٧) سنة، فيكون ذلك في حدود سنة (١٤٢)، فتكون فاتته القدمة الأولى، ولم يدركه إلا في القدمة الثانية، بخلاف الليث بن سعد، فقد ولد سنة (٩٤)، فيكون قد ناهز الثلاثين من عمره حين قدم معاوية في المرة الأولى، وأما قصة عبد الله بن صالح كاتب الليث التي حكاها أبو زرعة الدمشقي ففي القدمة الثانية بيقين، فإن عبد الله بن صالح ولد سنة (١٣٧)، قال ابن حبان في ثقاته (٧/ ٤٧٠) عن معاوية: "روى عنه الليث بن سعد، وأهل الشام ومصر، وقد كتب عنه: سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وكتب عنه عبد الله بن صالح سنة سبع وخمسين ومائة، قدم عليهم حاجًّا من الأندلس، ومات معاوية بعد هذه السنة"، وقوله سنة سبع وهم، بل هي أربع؛ فقد قال أبو صالح نفسه: "مر بنا معاوية بن صالح حاجًّا سنة أربع وخمسين، فكتب عنه الثوري وأهل مصر وأهل المدينة" [الكامل لابن عدي (٦/ ٤٠٤)، جذوة المقتبس (٧٩٧)] [وانظر أيضًا: تاريخ دمشق (٥٩/ ٥٢)، السير (٧/ ١٥٨)]، كما أن الليث أثبت من ابن وهب، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>