للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صحيحًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يضعفه جدًّا، وصحح له ابن خزيمة متابعة، ولم يحتج به على انفراده، وتردد فيه ابن حبان، فقال عنه في المجروحين: "منكر الحديث، ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، فلما كثر ذلك منه استحق مجانبة حديثه"، ثم رجع فأدخله في الثقات، وقال: "وقد أدخلته في الضعفاء، وهو ممن استخرت الله فيه"، لذا فقد أخرج له في صحيحه ثلاثة أحاديث، ثم جاوز الحد، فقال في المشاهير: "من جلة أهل المدينة، ومتقنيهم"، وصحح له الحاكم أحاديث في مواضع من المستدرك، وذكره في المعرفة فيمن لم يحتج بحديثهم في الصحيح، ولم يسقطوا، واعتبره ممن قد اشتهر بالرواية، ولم يعد في طبقة الأثبات المتقنين الحفاظ [التهذيب (٤/ ٨٣)، إكمال مغلطاي (١١/ ٢١١)، الجرح والتعديل (٨/ ٣٠٤)، سؤالات البرذعي (٥٤١)، سنن النسائي الصغرى (٨/ ٩٠/ ٤٩٧٨)، السنن الكبرى (٧/ ٤٢/ ٧٤٢٩)، صحيح ابن خزيمة (٧٢٧ و ١٧١٢) و (٥٥٦)، المجروحين (٣/ ٢٨)، الثقات (٧/ ٤٧٨)، صحيح ابن حبان (٥/ ٣٣١/ ١٩٩٢) و (٥/ ٥٤٣ و ٥٤٤/ ٢١٦٨ و ٢١٧٠) و (١٢/ ١٠٧ / ٥٢٩٦)، مشاهير علماء الأمصار (١٠٩٢)، المستدرك (١/ ٢١٩) و (٢/ ٨١ و ٢٦٨ و ٣٠٠ و ٤٨٥) و (٤/ ٩٤ و ٢٦٩)، معرفة علوم الحديث (٢٥٥)، المحلى (٨/ ٩٩)، بيان الوهم (٣/ ٥٢٨/ ١٣٠٣)، السير (٧/ ٢٩)].

قلت: كان مصعب من أعبد أهل زمانه، وأكثرهم صلاةً وصيامًا، وهذا دأب كثير من الصالحين والعباد، لا يضبطون الرواية، ويكثر منهم الوهم، بل ويجري الكذب على ألسنتهم وهم لا يشعرون، قال يحيى بن سعيد القطان: "لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث"، قال مسلم: "يجري الكذب على لسانهم، ولا يتعمدون الكذب"، وقال ابن القطان: "وذلك -والله أعلم- لسلامة صدورهم، وتحسينهم الظن بمن يحدثهم، ولتشاغلهم بما هم بسبيله عن حفظ الحديث وضبطه، وفهم معانيه"، وقال النووي: "لكونهم لا يعانون صناعة أهل الحديث، فيقع الخطأ في رواياتهم، ولا يعرفونه، ويروون الكذب، ولا يعلمون أنه كذب" [مقدمة صحيح مسلم (١/ ١٧)، بيان الوهم (٤/ ٦٧٢)، شرح مسلم للنووي (١/ ٩٤)، شرح علل الترمذي (١/ ٣٨٧)].

قلت: وعلى هذا فإن مصعب بن ثابت قد شغلته العبادة عن حفظ الحديث وضبطه، حتى كثر منه الوهم، لكنه لم يصل إلى حد المتروكين، بل ولا الضعفاء، وأكثر النقاد لينه لكثرة غلطه، فقال أبو حاتم، وأبو زرعة، والنسائي، والدارقطني، وابن حزم: "ليس بالقوي"، وهذه من أخف ألفاظ الجرح، فلم يضعفوه مثل أحمد وابن معين، مما يعني أنه لم يكثر خطؤه حتى يبلغ حد التضعيف، ولم يغلب خطؤه على صوابه حتى يترك، ومن ثم فإذا توبع في روايته دلنا ذلك على أنه حفظها وضبطها، بخلاف ما لو انفرد، فلا ندري حينئذ أصاب أم أخطأ، فكان الاحتياط ترك ما انفرد به حتى يتابع عليه، فتطمئن النفس إلى ثبوته، والله أعلم.

وفي هذا الحديث قد توبع مصعب على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلتفت، فيقول: "اعتَدِلوا،

<<  <  ج: ص:  >  >>