للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا يثبت من حديث عطاء بن أبي رباح المكي؛ تفرد به عنه: يزيد بن أبي زياد الكوفي، وهو في الأصل: صدوق عالم؛ إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، وكان إذا لُقِّن تلقن، فهو: ليس بالقوى؛ كما قال أكثر النقاد، لأجل ما صار إليه أمره [انظر: التهذيب (٩/ ٣٤٤)، الميزان (٤/ ٤٢٣)، وقد تقدم الكلام عليه مرارًا].

* قال الترمذي في أول كتاب العلل الصغير: "جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم؛ ما خلا حديثين: حديث ابن عباس؛ أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر، وحديث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ أنه قال: "إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه"، وقد بينا علة الحديثين جميعًا في الكتاب".

وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (٢٦١): "وقد روى الناس أحاديث متصلة وتركوا العمل بها، منها: حديث سفيان وحماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر، عن ابن عباس؛ أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، بالمدينة آمنًا لا يخاف، والفقهاء جميعًا على ترك العمل بهذا؛ إما لأنه منسوخ، أو لأنه فعله في حال ضرورةٍ؛ إما لمطر، أو شغل".

* قلت: قد أخذ جماعة بظاهر هذه الرواية، وبعمل ابن عباس بها، حيث أباح له الجمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر كالمطر والمرض، وإنما لأدنى حاجة، قال ابن سيرين: "لا بأس بالجمع بين الصلاتين فى الحضر إذا كانت حاجةٌ أو شئٌ؛ ما لم يتخذه عادة"، وأجاز ذلك ربيعة بن عبد الرحمن، وأشهب، وجماعة آخرون من متأخري الفقهاء [ذكرهم الخطابي في المعالم (١/ ٢٢٩)، والنووي في شرحه على مسلم (٥/ ٢١٩)، وانظر: الفتح لابن رجب (٣/ ٩٤) وممن قال بذلك أيضًا: ابن المنذر (٢/ ٤٣٣ - الأوسط)، وابن حبان (٤/ ٤٧١ - الصحيح)، وابن بطال (٢/ ١٧٠ - شرح البخاري).

قال ابن المنذر: "إذا ثبتت الرخصة في الجمع بين الصلاتين؛ جمع بينهما للمطر والريح والظلمة، ولغير ذلك من الأمراض وسائر العلل"، معتمدًا في ذلك قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته [الأوسط (٢/ ٤٣٣)].

بل قد ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، فقال ابن المنذر في الأوسط (٢/ ٤٣٢): "وقالت طائفة: الجمع بين الصلاتين في الحضر مباح؛ وإن لم تكن علة، قال: لأن الأخبار قد ثبتت عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه جمع بين الصلاتين بالمدينة، ولم يثبت عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه جمع بينهما في المطر، ولو كان ذلك في حال المطر لأدي إلينا ذلك، كما أدي إلينا جمعه بين الصلاتين، بل قد ثبت عن ابن عباس الراوي بحديث الجمع بين الصلاتين في الحضر؛ لما سئل: لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته"، إلى أن قال: "ولو كان ثم مطر من أجله جمع بينهما رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لذكره ابن عباس عن السبب الذي جمع بينهما، فلما لم يذكره وأخبر بأنه أراد أن لا يحرج أمته، دل على أن جمعه كان في

<<  <  ج: ص:  >  >>