للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بذلك بأسًا قلت: ذكرُه في المجروحين أولى وأنسب لحاله من ذكره في عموم الثقات، فإن قليلَ الرواية إذا كان يهم كثيرًا في قلة ما يروي، وينفرد بما لا يُتابع عليه؛ فحري به أن يُضعَّف، لذا قال فيه البخاري إمام الصنعة: "يتكلمون فيه"، وهذا جرح شديد، يسقط روايته، ونقله عنه العقيلي فأدخله في ضعفائه، وأنكر عليه حديثًا آخر غير هذا، وقال: "وهذا الحديث لا يتابع عليه يحيى وبهذا يكون قد أدخله في الضعفاء: العقيلي وابن حبان وابن عدي وغيرهم، وساقوا الأدلة على ضعفه، وأما الدارقطني فإنه لما ذكره في العلل (١٣/ ٨٧/ ٢٩٧٢) قال: "لا بأس به"، وذلك لما ذكر له روايةً عن مالك خالف فيها أصحاب مالك، فرفعها، وزاد فيها ألفاظًا لم يأت بها غيره، وصرح الدارقطني بأن ما زاده الجاري هذا ليس بمحفوظ، وأن الصحيح عن مالك موقوف، فكيف يكون لا بأس به؟ لاسيما وقد لخص الذهبي القول فيه بقوله: "ليس بالقوي" [صحيح أبي عوانة (٢/ ٤٧١/ ٣٨٦٨)، الضعفاء الكبير (٤/ ٤٢٨)، الجرح والتعديل (٩/ ١٨٤)، الثقات (٩/ ٢٥٩)، المجروحين (٣/ ١٣٠)، الميزان (٤/ ٤٠٦)، الكاشف (٢/ ٣٧٥)، إكمال مغلطاي (١٢/ ٣٦٠)، التهذيب (٤/ ٣٨٦)].

وعلى هذا: فهو حديث غريب من حديث عبد العزيز الدراوردي فضلًا عن مالك.

• ورواه عبد الله بن شبيب: حدثنا قدامة بن شهاب: حدثنا مالك، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غربت له الشمس بمكة، فصلاها بسرف، وذلك تسعة أميال.

أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (١٢/ ٢٠٧).

قلت: ولا يثبت هذا عن مالك أيضًا؛ قدامة بن شهاب: بصري، ليس به بأس [التهذيب (٣/ ٤٣٣) والمتفرد به عنه: عبد الله بن شبيب أبو سعيد الربعي: أخباري علامة؛ لكنه واهٍ، ذاهب الحديث، وكان يسرق الحديث [الميزان (٢/ ٤٣٨)، اللسان (٤/ ٤٩٩)].

• ورواه مقلوبًا: إبراهيم بن يزيد الخوزي، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غربت له الشمس وهو بسرِف، فلم يُصلِّ المغرب حتى دخل مكة.

أخرجه عبد الرزاق (٢/ ٥٥٤/ ٤٤٣٢).

وهذا حديث منكر؛ إبراهيم بن يزيد الخوزي: متروك، منكر الحديث، وقد قلب متنه، وقد روي أنه: غربت له الشمس بمكة، فصلاها بسرف.

* والحاصل: فإن هذا الحديث غريب الإسناد، لا يثبت من حديث مالك، لم يروه أحد من أصحاب الموطآت، ولا من ثقات أصحاب مالك المشهورين، كما لا يثبت أيضًا من حديث الدراوردي، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي: صدوق، كان سيئ الحفظ، يخطئ إذا حدث من حفظه، وكان كتابه صحيحًا؛ إلا أنه كان يحدث من كتب الناس فيخطئ أيضًا [انظر: التهذيب (٢/ ٥٩٢) وغيره]، وهو من أقران مالك، يشاركه في كثير من شيوخه، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>