للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دلائل شهادة الله لنفسه بوحدانيته]

هنا يتكلم عن معنى قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ} [آل عمران:١٨]، فهنا يقرر معنى (شهد الله) وماذا تعنى شهادة الله لنفسه بأنه لا إله إلا هو، وأيضاً مصادر هذه الشهادة ووسائل هذه الشهادة، وكيف يتبين للخلق أن الله شهد لنفسه، وما الوسائل والأمور التي تبين فيها الأمر للخلق بأن الله لا إله إلا هو، فسيذكر هذه الأمور تفصيلاً، وقبل أن يذكرها أحب أن أشير إليها إجمالاً لتكون في الأذهان، فأقول: الدلائل المعبرة عن شهادة الله لنفسه بأنه لا إله إلا هو سبحانه تتلخص -حسب ما قرره الشارح- في ست دلائل، وهي الطرق التي تبينت بها الشهادة: الأولى: دلالة الفطرة: وهي دلالة ضرورية يعبر عنها الإنسان إذا تجرد من الهوى والتقليد الأعمى والتربية السيئة والانحراف والشهوات، يعبر عنها بلسانه وقلبه وبأفعاله وتصرفاته.

والدلالة الثانية: دلالة العقل السليم، وهي معنى زائد على الفطرة، فالعقل السليم يرتكز على الفطرة لكنه يزيد عليها؛ لأن العقل نتيجة تفكير الإنسان بعوامل أخرى ومؤثرات داخلية وخارجية، أما الفطرة فهي أمر كامن في الإنسان ركبه الله فيه، وقد تنطق الفطرة أحياناً من غير شعور الإنسان، مع أن الأصل أن يشعر بما يقول ويتكلم، فالفطرة هي طاقة كامنة قد يعبر عنها الإنسان وقد لا يعبر، أما العقل السليم فهو إرادي من قبل الإنسان، وهو دليل من الدلائل على شهادة الله لنفسه.

والدليل الثالث: آيات خلق الله تعالى في الأنفس والآفاق، آيات الخلق في الإنسان نفسه، فإذا تفكر الإنسان في نفسه وجد دليلاً على شهادة الله بأنه لا إله إلا هو من خلال خلق الإنسان.

وكذلك إذا نظر في آيات الكون من حوله، وهي المعبر عنها بالآفاق؛ لأن الآيات ليست محصورة في الإنسان المحدود، بل هناك ما هو أبعد من محيط الإنسان في الكون الواسع.

الرابع: آيات الله المنزلة، وهي كلامه، والإنسان إذا سلمت أدواته الأولى -العقل السليم والفطرة السليمة- عرف الدلائل من آيات الله تعالى واستوعبها، لكن إذا غطيت الفطرة بالمؤثرات الخارجية وانتكس العقل فقد لا يستفيد الإنسان من كلام الله، فإذا توافرت العوامل الأولى فإن الإنسان يجد من كلام الله تعالى -وهو القرآن المنزل والوحي- آيات صريحات دالات على أن الله شهد أنه لا إله إلا هو سبحانه.

الخامس: شهادة المخلوقين الناطقين لله تعالى بالشهادة، وشهادة المخلوقين من أقوى الشهادات، ذلك أن الإنسان يسمع من غيره من المؤمنين ما يقتضي الشهادة لله أنه لا إله إلا هو، وهذا السماع هو بإذن الله وقدرته وبإرادته وحكمته وبتوفيق الله وهدايته، فإذا كان كذلك فالله هو الذي وفق الناطقين المؤمنين بالشهادة، فعلى ذلك يكون نطقهم حجة على الخلق؛ لأن الله شهد أنه لا إله إلا هو وأشهد أولياءه، وهذه أقوى حجة ظاهرة على الإنسان؛ لأن البشر لابد من أن يكون فيهم من يشهد أن لا إله إلا الله، فأي مؤمن لابد من أن يكون شاهداً تقوم به الحجة على الآخرين.

الدلالة السادسة: شهادة الواقع، وهي شهادة تشمل جميع الشهود على أن الله لا إله إلا هو في كل شيء، في الإنسان وفي الآفاق وفي الوحي المنزل وفي الدلائل والأحداث وفي المصائب وفي كل أمر من الأمور التي تحدث للبشر وفي المخلوقات الأخرى وما يحدث لها وما يحدث منها، كل ذلك -وهو الواقع الذي يعيشه الإنسان- فيه شهادة أنه لا إله إلا الله سبحانه، وهي شهادة من الله؛ لأن الله هو الذي ألهم وأنطق، وهو الذي أقام الحجة.