قال رحمه الله تعالى: [وعن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، فقلنا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك؟! قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله؛ فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعة)].
هذا الحديث اشتمل على قواعد عظيمة من قواعد الدين في الولاية، وهذه القواعد هي منهج السلف الذي قرروه في كل زمان، وفي كل الأحوال التي مرت بالأمة عبر تاريخها الطويل، وهي: أنه قد يتولى على الأمة خيارها، وقد يتولى الأمة شرارها، وقد يتولى عليهم من يبغضونه ويبغضهم، وأن هذا الأمر إذا كان أمراً واقعاً فلا بد من التزام الأصل فيه، وهو: السمع والطاعة في المعروف، وعدم جواز الخروج، وعدم جواز المنابذة بالسيف بنص الحديث؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بين للصحابة هذا الأمر سألوه، فقالوا:(أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك؟! قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) يعني: ما دامت الصلاة قائمة بين المسلمين وتحت هذه الولاية الشرعية فلا يجوز رفع السيف على الوالي.
ثم ذكر القاعدة الأخرى، وهي: أن من رأى من واليه شيئاً يكرهه من معصية الله فليكره ما يأتيه الوالي أياً كانت هذه المعصية، بمعنى أن كون الوالي يرتكب معصية أو ظلماً أو فسقاً أو فجوراً أو نحو ذلك مما ترى أنه غير جائز شرعاً؛ فلا يعني ذلك أن تقر هذا العمل وتبيحه، بل تكرهه وتكره فعله، لكن لا يجرك ذلك إلى نزع اليد من الطاعة، أي: نزع البيعة، سواء بالقلب أو بالعمل، فلا يجوز أن يستبيح الإنسان نقض بيعة لإمام له عليه ولاية شرعية وإن ظهر منه ما يكرهه المسلم في قلبه، فلا يجوز أن ينزع يداً من طاعة، بل يبقى مطيعاً سامعاً ولو على كره، أو على أثرة أو على ظلم أو نحو ذلك مما هو معروف مما يقع من البشر من المظالم والأخطاء والفسق والفجور.
أقول: هذه قواعد عظيمة يجب أن يفهمها الناس وأن يعرفوا أنها هي مناهج السلف وليست من عندنا، فهذا الحديث حديث صحيح من الأحاديث التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم الأمة وأمرهم بها أمراً صريحاً.
ونزع اليد من الطاعة نوعان: نوع بمعنى عدم اعتبار الولاية في القلب، بمعنى أن تعتقد أن الوالي ليس له ولاية بمجرد ظهور المعاصي، فهذا لا يجوز، وهو نوع من نزع الطاعة؛ لأنه ورد هذا في أحاديث أخرى غير هذا الحديث، فهذا الحديث ظاهره أن نزع اليد هو الشيء العملي الظاهر، لكن هناك أحاديث أخرى تنظم إلى هذا الحديث ستأتي الإشارة إلى بعضها، فيها أنه لا يجوز أن يتخذ ما يحدث من الوالي من فسق وفجور وظلم ذريعة إلى عدم اعتقاد ولايته؛ لأن الخروج يكون باليد ويكون بالقلب كما سيأتي، وكما هو معروف في منهج السلف.