قال رحمه الله تعالى:[بل القول الأول متضمن لأمرين عجيبين].
هنا ينبغي أن نستذكر القولين السابقين في الإشهاد: القول الأول: هو القول بأن الإشهاد تم فعلاً على الصورة التي وردت في الحديث، وهو أن الله عز وجل أخرج بني آدم من ظهره، وأشهدهم إشهاداً فعلياً على كيفية لا يعلمها إلا الله عز وجل؛ لأنها غيبية، وأنهم نطقوا وشهدوا على أنفسهم، وأن هذا مشهد واقعي فعلي صح في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعض أصحاب هذا القول قالوا: إن هذا الحديث مفسر للآية، فالآية مجملة وهذا مبين، ولا شك في أن الإجمال يرد إلى التفصيل، والمجمل يرد إلى المفصل.
أما القول الثاني الذي انتصر له الشيخ ابن أبي العز هنا فهو القول بأن الإشهاد لم يحدث بصورة مشهد فعلي، إنما كان تعبيراً عن دلائل الفطرة، عبر الله بذلك عن دلائل الفطرة، وأن الإشهاد يتمثل بالبراهين والأدلة التي أقام الله بها الحجة على العقلاء، وهي خلق الكون، وخلق الإنسان، وآيات الله المنظورة، والوحي، ودلالة الفطرة والعقل السليم، ونحو ذلك من البراهين العلمية والعملية التي تقوم بها الحجة، فهذا بمثابة الإشهاد.
ومال الشارح إلى تضعيف أحاديث الإشهاد، لأن الآية لا تدل صراحة على فعل الإشهاد على نحو ما ورد في الحديث، وهذا فيه تكلف كما سيأتي.
والقول الأول الذي أنكره مال الشيخ إلى سواه هو القول الذي عليه كثير من السلف، وعليه أغلب أهل الحديث، وهو الذي تقتضيه النصوص الشرعية، وهو أن الإشهاد تم فعلاً على نحو ما جاء في الحديث، سواء كان ذلك تفسيراً للآية، أم أن الآية لها معنىً آخر على خلاف بين أصحاب هذا القول.