للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أصناف الجهمية وحكم كل صنف]

قال رحمه الله تعالى: [وقد تنازع العلماء في الجهمية هل هم من الثنتين وسبعين فرقةً أم لا؟ ولهم في ذلك قولان، وممن قال: إنهم ليسوا من الثنتين وسبعين فرقةً: عبد الله بن المبارك ويوسف بن أسباط رحمهما الله].

الذي استقر عليه قول جمهور السلف في القرن الثالث وما بعده، بعدما ظهرت هذه الفرق وتبينت مناهجها بشكل جلي، الذي استقر قول السلف أن الجهمية على نوعين: جهمية خالصة وهم الذين تتوافر عندهم ثلاثة أصول: القول بالتعطيل المطلق، والقول بالإرجاء الغالي، والقول بالجبر الغالي، وهؤلاء الذين تتوافر عندهم هذه الأصول هم غلاة الجهمية، فهؤلاء بمقتضى أصولهم ليسوا من المسلمين.

والجهمية الذين يقولون بالإرجاء الغالي هم الذين يقولون: إن الإيمان هو المعرفة فقط، وإنه لا يضر مع المعرفة ذنب، ولا تنفع مع المعرفة طاعة، فهؤلاء من البدهي ومن الضرورة أن قولهم هذا يستلزم الجبر، بل العكس هو الصحيح، الجبرية الخالصة وهي الجهمية الخالصة قالوا بأن الإنسان مجبور على أفعاله، ومن هنا تركز على هذا الجبر الإرجاء، وأنه ما دام مجبوراً فإنه لا يؤاخذ، ثم قالوا بأن الإيمان هو المعرفة، فمن هنا اجتمعت عند غلاة الجهمية هذه الأصول الثلاثة: التعطيل الخالص، الذي هو إنكار أسماء الله وصفاته، وهذا أول سمة لهم، ثم القول بالجبر المطلق، ثم القول بالإرجاء الغالي، فهذا الصنف هم الذين قصدهم عبد الله بن المبارك ويوسف بن أسباط وجمهور السلف الذين قالوا: إنهم ليسوا من فرق المسلمين، وليسوا من الثنتين والسبعين فرقة المتوعدة بالنار، وليسوا من أهل القبلة.

الصنف الثاني من الجهمية: هم كل من أخذ بقول من أقوال الجهمية غير الأقوال المغلظة؛ لأن بعض أهل العلم يلحق القائل بخلق القرآن بالغلاة، والصحيح أن القول بخلق القرآن كان نتيجة للتعطيل، فمن هنا لا يلحق القائل بخلق القرآن بالقائل بالتعطيل؛ لأن السلف الصالح يتوسعون في مفهوم التجهم، وعلى هذا فإن الجهمية غير الغلاة تدخل فيهم المعتزلة، فمن هنا لا يكونون من الخارجين من الملة، بل هم من فرق المسلمين، وأيضاً المعتزلة أهل الجهمية غير الغلاة يدخل فيهم المتكلمون، فالكلابية فيها تجهم، والأشاعرة كذلك بعض أصولها قائمة على أصول الجهمية، خاصة في عهد أبي المعالي الجويني والغزالي والرازي ومن جاء بعدهم، والماتريدية ابتداءً قامت أصولها على شيء من التجهم، منذ أن نشأت الماتريدية وأصولها قائمة على بعض أصول الجهمية، ومصطلحات الجهمية، ومناهج الجهمية، فلهذا هذا النوع من الجهمية يعتبرون من فرق المسلمين، لكنها من الفرق الضالة الخارجة عن السنة.