للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما تدل عليه الأحاديث المروية في أخذ ذرية آدم من ظهره]

قال رحمه الله تعالى: [فالآثار المروية في ذلك إنما تدل على القدر السابق، وبعضها يدل على أنه سبحانه استخرج أمثالهم وصورهم وميز أهل السعادة من أهل الشقاوة].

هذان هما النوعان اللذان أشرت إليهما قبل، فهذه النصوص تدل على نوعين: النوع الأول: تمييز الذرية بعد أخذهم من ظهر آدم، أي: تمييز المهتدين عن الضالين وأهل الجنة عن أهل النار.

والنوع الثاني: الإشهاد والميثاق.

قال رحمه الله تعالى: [وأما الإشهاد عليهم هناك فإنما هو في حديثين موقوفين على ابن عباس وابن عمرو رضي الله عنهم، ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف: إن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد، كما تقدم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ومعنى قوله: {شَهِدْنَا} [الأعراف:١٧٢] أي: قالوا: بلى شهدنا أنك ربنا.

وهذا قول ابن عباس وأبي بن كعب، وقال ابن عباس أيضاً: أشهد بعضهم على بعض.

وقيل: (شهدنا) من قول الملائكة، والوقف على قوله: (بلى).

وهذا قول مجاهد والضحاك والسدي.

وقال السدي أيضاً: هو خبر من الله تعالى عن نفسه وملائكته أنهم شهدوا على إقرار بني آدم.

والأول أظهر، وما عداه احتمال لا دليل عليه، وإنما يشهد ظاهر الآية للأول].

فرق بين ظاهر الآية لو جردت عن الحديث وبين ما ورد في الأحاديث من تفسير يمكن أن تفسر به الآية، فليس في الآية ما يدل على نوع الإشهاد، لكن الأحاديث مفسرة.

أما قوله: (في حديثين موقوفين على ابن عباس وابن عمرو) فيظهر أنه يقصد بعض ألفاظهما، وإلا فالإشهاد بمعنى: أن الله عز وجل أخذ من آدم ذريته وأشهدهم وقالوا: شهدنا على نحو ما ذكر في الحديث قد ورد في الحديث الذي سبق، وهو ما رواه الإمام أحمد، وفيه: (فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه، ثم كلمهم قبلاً: ألست بربكم؟)، وهذا مرفوع، وهو أيضاً -على الأصح- صحيح.

وكذلك ورد مرفوعاً في حديث آخر أورده، وهو يؤيد الحديث السابق، بل إنه ورد من طرق مرفوعاً، وليس مقصوراً على هذين الطريقين.

أما تفسير الآية بهذا التفسير فهناك من السلف من جعل هذا شيئاً وذاك شيئاً آخر، فربما فسروا الآية على معنى وفسروا الحديث على معنى آخر، مع ما بينهما من التلازم، لكن لا يعدو أن يكون هذا التفسير رأياً.