قال رحمه الله تعالى: [وللسلف في الشهادة بالجنة ثلاثة أقوال: أحدها: أن لا يشهد لأحد إلا للأنبياء، وهذا ينقل عن محمد بن الحنفية، والأوزاعي.
والثاني: أنه يشهد بالجنة لكل مؤمن جاء فيه النص، وهذا قول كثير من العلماء وأهل الحديث.
والثالث: أنه يشهد بالجنة لهؤلاء ولمن شهد له المؤمنون، كما في الصحيحين:(أنه مر بجنازة فأثنوا عليها بخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، ومر بأخرى فأثني عليها بشر، فقال: وجبت -وفي رواية كرر (وجبت) ثلاث مرات- فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله! ما وجبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض).
وقال صلى الله عليه وسلم:(توشكون أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: بالثناء الحسن والثناء السيئ)، فأخبر أن ذلك مما يعلم به أهل الجنة وأهل النار].
هذا على سبيل القرائن والعلامات، ولا نقول بالجزم، يعني: يعرف أهل الجنة بقرائن وعلامات، وترجى لهم الجنة بذلك، ويعرف أهل النار بقرائن وعلامات، ويخشى عليهم.
أما الجزم فإن هذه الأدلة لا تدل على الجزم، لكن ما ورد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من مثل هذه القصة توقيفي لنعلم أنه لا يمكن أن يقوم أحد مقام النبي صلى الله عليه وسلم بإثبات الشهادة للمعين، فينبغي ترك الشهادة للمعين، وتبقى شهادة المؤمنين قرينة فقط، أما الجزم فلا نستطيع أن نجزم، فعلى هذا يكون الرأي الثاني هو الرأي الصحيح، وهو الذي تتجه إليه الأدلة، ودليل أصحاب القول الثالث إنما هو مظنة، والظن في هذه الأمور لا يصح.