للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان أول ما يجب على المسلم اعتقاده والدعوة إليه]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قوله: (نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له).

ش: اعلم أن التوحيد أول دعوة الرسل، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩] وقال هود عليه السلام لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [هود:٥٠]، وقال شعيب عليه السلام لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٨٥]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥].

وقال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله)].

هنا يقرر ابن أبي العز تبعاً للطحاوي رحمه الله ولسائر السلف أصلاً عظيماً أجمع عليه أئمة الدين المقتدى بهم قديماً وحديثاً من أئمة أهل السنة والجماعة، وهو أن أول الأمور التي يجب أن يعتقدها كل مسلم والتي ينبغي أن يعنى بها المسلمون جميعاً جماعات وأفراداً قضية توحيد الله، وهذا الأصل -كما أشار الشارح- لم يستنبط باجتهاد، بل هو قطعي من خلال استقراء نصوص الكتاب والسنة؛ فإنا نجد أن الله تعالى ذكر أن جميع الأنبياء أول ما يبدءون بدعوة أقوامهم إلى توحيد الله تعالى ونبذ الشرك، وليس بالمقصود بالتوحيد -كما يزعم المتكلمون، وكما يزعم بعض المُحدَثِين الذين لا فقه لهم في الدين- معرفة الله وإثبات وجوده؛ لأن هذا أمر فطري بدهي -كما سيأتي- لا يحتاج إلى تقرير عند عامة البشر، وإن وجد من البشر شذاذ يعمون عن الحقيقة، فلا ينبغي أن تخضع لهم أصول العلم وأصول الاعتقاد، بل من أصول الاعتقاد وأصول الدعوة الضرورية الأساسية القطعية المعلومة بالضرورة أن أول ما ينبغي أن يدعى إليه -كما هو منهج الرسل- هو توحيد الله تعالى بالعبادة، وليس هو توحيد المعرفة؛ لأنه لا يعرف على الإطلاق في تاريخ البشر أن أمة من الأمم التي بعث فيها أنبياء أنكرت وجود الله أو أنكرت توحيد الربوبية، لا يعرف هذا، وما حدث من فرعون فإنه من باب الجحود لا من باب الإنكار، والجحود لا يعد إنكاراً، ثم إن جحود فرعون لا يعني أن جميع الأمم في وقته -حتى الكفار المشركين- كانوا ينكرون وجود الله أو ينكرون توحيد الربوبية.

فلا يصح القول بأن التوحيد إنما المقصود به إثبات وجود الله فقط أو توحيد الربوبية فقط، بل التوحيد إذا ورد في الكتاب والسنة هو توحيد الإلهية.

فأول ما يدعو إليه الداعية تبعاً للمرسلين هو توحيد الله تعالى، وهذه المسألة حتمية قطعية، ولم يحدث الجهل بها إلا بعدما قل الفقه في الدين.