[الخلاف في رؤية أهل المحشر لله تعالى]
قال رحمه الله تعالى: [وقوله: (والرؤية حق لأهل الجنة)، تخصيص أهل الجنة بالذكر يفهم منه نفي الرؤية عن غيرهم، ولا شك في رؤية أهل الجنة لربهم في الجنة، وكذلك يرونه في المحشر قبل دخولهم الجنة، كما ثبت ذلك في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:٤٤]، واختلف في رؤية أهل المحشر على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يراه إلا المؤمنون.
الثاني: يراه أهل الموقف، مؤمنهم وكافرهم، ثم يحتجب عن الكفار ولا يرونه بعد ذلك.
الثالث: يراه مع المؤمنين المنافقون دون بقية الكفار.
وكذلك الخلاف في تكليمه لأهل الموقف].
والقول الرابع لعله يجمع بين هذه الأقوال، فهناك قول رابع قال به بعض أهل العلم، وهو أن الرؤية في المحشر تأتي بثلاث مراحل: المرحلة الأولى: يراه فيها جميع الخلائق على ما يليق بجلال الله عز وجل، وهذه الرؤية لكل إنسان بحسبه، فالمؤمن يرى ربه عز وجل رؤية تنعم وتلذذ وسرور، والكافر والمنافق يرى ربه رؤية حسرة، فلا يتمتع برؤية ربه عز وجل.
والمرحلة الثانية: يتبدى الله عز وجل فيها للخلائق فيراه المؤمنون والمنافقون، ولا يراه الكفار، وقالوا: سبب ذلك أن الله عز وجل أطمع المنافقين في الرؤية ليظنوا أنهم نجوا، فيكون ذلك أنكى في العقوبة لهم؛ لأنهم كانوا يمكرون في الدنيا ويخادعون، فأراد الله عز وجل أن يمكر بهم ويخادعهم في الآخرة.
فإذا رأى المنافقون ربهم مع المؤمنين وعلموا أن الكفار لم يروه في هذه المرحلة زاد طمعهم؛ ليكون ذلك أشد لحسرتهم إذا حجبوا في المرحلة الثالثة.
وفي المرحلة الثالثة: يراه المؤمنون دون المنافقين والكفار، قالوا: لأن هذا تقتضيه عمومات النصوص الكثيرة والتي تواردت في سياق الرؤية في المحشر.
ولعل هذا هو الذي يجمع بين ما ورد في النصوص، وعلى أي حال فالرؤية يوم القيامة على نوعين: النوع الأول: الرؤية في المحشر التي ذكرناها هنا، وهذه اختلف فيها أهل العلم: هل هي من نوع الرؤية التي تكون في الجنة أو تكون رؤية بحسب الحال، أو على وجه آخر يختلف؟ وهل هي رؤية حقيقية بصرية أو رؤية قلبية؟ فهذا كله محل خلاف، وإن كان جمهور السلف يقولون: ظاهر النصوص أنها رؤية عينية، لكنها تختلف بحسب حال الشخص وإيمانه.
وهذا النوع أيضاً صح في الأدلة، ولا يجوز لأحد إنكاره، لكن لا يكفر من أنكره؛ لأن النصوص ليست صريحة في رؤية المحشر العينية كما في رؤية الجنة.
أما النوع الثاني -وهو رؤية المؤمنين لربهم في الجنة بأبصارهم- فهي رؤية بصرية عينية حقيقية أدلتها يقينية قطعية ومتواترة، ولا يسع أحداً بعد العلم بها أن ينكرها، ومن أنكرها فقد اتفق السلف على تكفيره، خاصة إذا كان ممن تقوم عليه الحجة، وعرف معنى الرؤية وأدلتها؛ إذ قد يحدث من الجهلة إنكار الرؤية؛ لأنهم لا يعرفون معناها ولا يفقهون نصوصها، فقد يرد من عامي أو شبه عامي لم يفهم معاني نصوص الرؤية إنكار الرؤية على سبيل الجهل، أما من علم وأقيمت عليه الحجة وأنكر بعد بيان الأدلة فإنه لا شك في كفره.
أما من أنكر الرؤية في المحشر فإن كان إنكاره إنكار تأول؛ فلا يكفر وإن ابتدع وخالف منهج السلف.