للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عظمة الله تعالى وتعقب ما أثر من ألفاظ محتملة في ذلك]

قال رحمه الله تعالى: [وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال: لا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء، بل يصفه بما وصف به نفسه.

وقال بعضهم: الحق سبحانه يقول: من ألزمته القيام مع أسمائي وصفاتي ألزمته الأدب، ومن كشفت له حقيقة ذاتي ألزمته العطب فاختر الأدب أو العطب].

هذه العبارات فيها نظر، فلها معنى صحيح ولها معنى فاسد، أما المعنى الصحيح فإنه إن قصد بقول: (من ألزمته القيام مع أسمائي وصفاتي) الوقوف عندها بالإقرار والتصديق والإيمان وعدم الخوض فصحيح، وإن قصد بالقيام مع أسمائه وصفاته بعض مفاهيم الصوفية في تمثل الأسماء والصفات الإلهية في أخلاقهم وسلوكهم، كقول بعضهم بأنه يتكلم على لسان الرب أو نحو ذلك؛ فهذا أمر لا يصح، فالعبارة موهمة.

وعلى أي حال فالسلف قد ينقلون مثل هذه العبارات لأنها تحمل معنى صحيحاً، والمعنى الفاسد يستبعد، لكن في زماننا هذا نجد أن مثل هذه العبارات لابد من التنبيه عليها؛ لأن الناس لم يعد عندهم الالتزام بالعقيدة، بمعنى: أنهم لم يتشربوا العقيدة كما تشربها الأولون، فمن هنا كان لابد من التنبيه على أن مثل هذه العبارات قد تحتمل معنى فاسداً.

قال رحمه الله تعالى: [ويشهد لهذا: أنه سبحانه لما كشف للجبل عن ذاته ساخ الجبل وتدكدك ولم يثبت على عظمة الذات، وقال الشبلي: الانبساط بالقول مع الحق ترك الأدب].

هذه العبارة مجملة موهمة قد تحمل معنى صحيحاً بتكلف لا يفهمه الناس إلا بعد جهد جهيد، وقد تحمل معنى فاسد أيضاً، وقد اتكأ على مثل هذه العبارة كثير من ضلال الصوفية وضلال الفلاسفة وضلال الباطنية وأهل البدع والأهواء الذين أرادوا أن يطعنوا في أصول الإسلام من خلال مثل هذه العبارات التي تخرج من هؤلاء الذين قد يزكيهم بعض أهل العلم، مثل الشبلي رحمه الله، ويكون في مثل هذا الكلام فتنة، فقوله: (الانبساط بالقول مع الحق ترك الأدب) هذه العبارة لا تفهم إلا بتكلف شديد، والمعنى الصحيح إذا أردنا أن نفسرها به نحتاج إلى أن نجلب كثيراً من العبارات والمصطلحات والمفاهيم من أجل أن نصححها، وظاهرها عدم الصحة، لكن نظراً لأن الشبلي -كما قال أهل العلم-: قد يتكلم أحياناً بعبارات فيها اضطراب، فلعل هذه من عباراته المضطربة، فقوله: (الانبساط بالقول مع الحق ترك الأدب) كأنه يريد أن يقول: إن التمادي في التفكر في أسماء الله وصفاته وأفعاله وفي ذاته على جهة التكييف خلاف الأدب.