للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم وسائل الدعوة]

السؤال

ما حكم وسائل الدعوة هل هي توقيفية أو اجتهادية؟

الجواب

يمكن أن نشير إلى بعض القواعد العامة في هذا الموضوع، ثم إن شاء الله تفصل هذه المسألة في الدرس القادم؛ لأنها من المسائل التي تثار الآن.

وسائل الدعوة في الحقيقة حسب ما يفهم من معناها اللغوي ومن استقراء لنهج السلف المقصود منها الأدوات التي تستخدم في تحقيق الدعوة، سواء كانت أدوات مادية، مثل: الأجهزة، أو أدوات معنوية، مثل: الأساليب الإدارية والتنظيمية وغيرها، مثل المؤسسات والجمعيات، وما يكون من الأجهزة الحكومية والدوائر الحكومية والدوائر المؤسسية التي تخدم الدعوة، فهذه تسمى وسائل، فكذلك قد يدخل في مفهوم الوسائل بعض الأساليب العلمية التي تتعلق بالدعوة، كتأليف الرسائل والكتب، والوسائل المتاحة: من أشرطة، وأجهزة منظورة ومسموعة وغيرها، هذه أيضاً تدخل في باب الوسائل.

فإذاً المقصود بالوسائل: هي أدوات الدعوة، سواءً كانت علمية، أو كانت إدارية ومعنوية، أو كانت مادية كالأجهزة.

والوسيلة: هي الطريق إلى الوصول إلى الهدف، ليست هي المناهج؛ لأن المناهج هي القواعد العامة كقواعد الحلال والحرام، ما يجوز وما لا يجوز، ما يسوغ وما لا يسوغ استخدامه في الدعوة، هذه تسمى مناهج، ففرق بين الوسائل والمناهج.

وعلى هذا فالكتاب أداة للدعوة ولنشر العلم، والشريط أداة وهكذا، فالأدوات الأصل فيها الإباحة، والأصل فيها التجديد بحسب مقتضيات العصر، ولذلك كان السلف لا يفرطون في استخدام أي وسيلة مباحة في الدعوة إلى الله عز وجل، كان في عهد الصحابة يدعون إلى الله عز وجل بالكلمة، وبالوسائل العادية البسيطة المتاحة، ثم في عهد الخلفاء الراشدين تطورت بعض الوسائل العادية البسيطة المتاحة، من ذلك: الحسبة على أحوال الناس، لما نشأت مثلاً الكوفة والبصرة في عهد عمر رضي الله عنه وضع فيها الحسبة؛ لتدبير أمور الناس في دينهم ودنياهم، فكانت هذه من وسائل الدعوة، ثم اضطر عمر رضي الله عنه إلى استخدام ما يسمى بالدواوين، وهذه من وسائل الدعوة، ثم اضطر الصحابة في آخر عهدهم أيضاً لبعض أنواع من المناظرات لم تكن معهودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض أنواع من الانتقادات والكتب والرسائل الصغيرة لم تكن معهودة في عهد أوائل الصحابة، ثم في عهد التابعين بدأ التأليف والتصنيف في خدمة الدعوة والدفاع عن العقيدة.

ثم في القرن الثاني تجددت وسائل أخرى في التصنيف والتأليف، فبدأ التابعون يستخدمون وسائل الكتابة والمراسلات والردود، والردود على الردود، واستعمال المناظرات بشكل متوق، واستعمال المناظرات في مجالس الأمراء والوجهاء، وفي المساجد بشكل موسع، ثم أيضاً جدد التابعون وتابعوهم في الوسائل العلمية بنشر الدعوة، فبدءوا يؤلفون الكتب المعنصرة المبوبة، بدءوا يكتبون الآثار، بدءوا يكتبون رسائل مفردة في موضوعات، ورسائل عامة في السنة، بدءوا يكتبون الحديث، بدءوا يكتبون تفسير القرآن، بدءوا يكتبون بعض المقالات وغيرها، تجددت عندهم وسائل الدعوة بحسب أحوالهم.

وفي عهد شيخ الإسلام ابن تيمية استحدث هو وغيره من أئمة المسلمين وسائل لم تكن معهودة في القرون الثلاثة الفاضلة في أسلوب التصنيف، وفي أسلوب الدعوة، وفي أسلوب التقاضي عند الأمراء وعند السلاطين والولاة وغير ذلك من الأساليب في الدعوة، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية أحياناً كان يستخدم أساليب ما كانت معهودة حتى في عصره، جدد فيها.

وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب أيضاً جدد وسائل في الدعوة، من ذلك: أسلوب الرسائل، وطريقة التعليم، وبعث الطلاب، واتخذت وسائل للدعوة في المسجد ما كانت معهودة في عهد السلف، من ذلك: تكليف أئمة المساجد بأن يلقنوا المسلمين في مساجدهم أصول الدين، وهذه الوسائل ما كانت معهودة بهذه الطريقة، لكنها وسيلة من الوسائل التي نفع الله بها.

فإذاً: وسائل الدعوة إلى الله عز وجل من الوسائل الاجتهادية.

أما الذين يقولون بأن الوسائل توقيفة، فيقصدون مناهج الدعوة، أي: ما يجوز وما لا يجوز في مناهج الدعوة إلى الله عز وجل، حتى القواعد الحديثية التي تحكم الأسانيد تدخل في المناهج وفي الأصول، وليست داخلة في الوسائل.

فإذاً: الخلاف إنما هو عادة في الألفاظ، وهؤلاء يتنازعون على لا شيء، وإلا فلا أظن طالب علم يخالف في مسألة استخدام الوسائل التي ذكرناها في الدعوة، أو أن هذه الوسائل والأدوات محجورة لا تجوز، ما يخالف فيها إلا جاهل، وكذلك لا يمكن أن يقول أحد: إنه يجوز الابتداع في مناهج الدعوة إلى الله عز وجل بما يخالف مناهج السلف، فهذا لا شك أنه بدعة عند الجميع.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.