أحب أن أنبه على أمر من النوازل التي حدثت للمسلمين في الآونة الأخيرة، وهو ما يتعلق ببعض الفتن التي ظهرت في أرض الجهاد في أفغانستان، ولن أتكلم عن هذا الأمر بالتفصيل، وأرجو ألا يفهم كما يفعل كثير من المستعجلين، وألا ينتزع مني ما لم أقله، لكني أحب أن أعلق على هذه المسألة بمناسبة الكلام عن مسألة التكفير والتعادي والموالاة والمعاداة ونحو ذلك من أحكام الشرع.
أقول: لقد بدرت من بعض الناس -هداهم الله- بعض الألفاظ والأحكام والمواقف تجاه ما حدث بين الأفغان تخالف منهج السلف، حتى من بعض الذين عقائدهم صحيحة ولديهم شيء من العلم بالسنة، فأرى أنهم تجاوزوا منهج السلف في علاج هذه الأمور، أي: في أثناء الفتن؛ لأن للفتن فقهاً يخالف فقه سائر الأيام والأحوال، ولأن للفتن أحكاماً تخصها، خاصة إذا حدثت الفتن بين فرقتين من المسلمين عملهم واحد في جبهة واحدة وفي مكان واحد كما هو حال المجاهدين، والخلل الذي حصل يتمثل في نظري فيما يتعلق بالمسألة التي ذكرتها في أمور: أولها: سرعة الحكم بالتكفير أو التفسيق أو التخطئة قبل التثبت.
وثانيها: الخلل في مسألة التفريق بين ما تجوز الموالاة فيه والمعاداة وما لا تنبغي الموالاة فيه والمعاداة.
والأمر الثالث: الحكم على الأشخاص باللوازم التي لا تلزم، فقد سمعنا حكماً على أشخاص من خلال تصرفات أتباعهم، وحكماً على الأتباع من خلال عقائد رءوسهم، وحكماً على الغائبين قبل اللقيا بهم والأخذ عنهم، وحكماً على المجاهدين من الأفغان -خاصة القيادات منهم- بمجرد أمور تخرج إما في جرائدهم وإما في كتب يعلمونها أتباعهم أو نحو ذلك، وهذا تكفير باللوازم.
نعم التخطئة ترد، ووزن الأمور بالموازين الشرعية أمر مطلوب، بمعنى: من هو الأفضل والأقرب للسنة، ومن هو الأبعد والأكثر بدعة، فهذا أمر ليس على المسلم حرج في أن يقوله، لكن الإلزام بما لا يلزم أمر خطير قد ترتبت عليه مواقف خطيرة، هذا أمر.
الأمر الآخر: إدراك المصالح العامة ودرء المفاسد، وهذا أمر غاب عن كثير ممن خاضوا في هذا الأمر، حتى بلغ الحد ببعضهم إلى أن يعتبر الجهاد في أفغانستان كله خطأ، وبعضهم ألغى راية الجهاد في سبيل الله وفسرها بتفسيرات بدعية أو بتفسيرات أهواء أو بتفسيرات شبهات أو شهوات عند أصحاب تلك الراية، وبعضهم -أيضاً- تكلم في المجاهدين بما يمنع دعم المسلمين عنهم، وهذه مسألة خطيرة، فأنا أقول: حتى لو اقتنع واحد منا بأنه ينبغي أو يحسن ألا يدفع التبرع لفلان من الناس من رءوس المجاهدين، فهل هذا من المصلحة العامة المترتبة على موقفه هذا فيما يتعلق بأحوال المسلمين عامة؟! يجب ألا نبخل على المسلمين عامة، ويجب ألا نبخل على الأفغان من حيث الخصوص، فهناك الشيوعية الملحدة تحارب الله ورسوله، وهناك أناس يجاهدون في سبيل الله على مختلف نزعاتهم وعلى مختلف اتجاهاتهم ومشاربهم، فلو أن المسلمين اضطروا يوماً من الأيام -كما حدث في فترات التاريخ- إلى أن يجتمعوا بفرقهم الضالة والمستقيمة ضد الكفار الخلص فهل يمنع هذا؟ أترك الجواب لكم، فتأملوا واسألوا أهل العلم وارجعوا إلى قواعد الشرع.
وأعود فأقول: إن نصوص الوعيد الواردة في الكتاب والسنة لابد من أن تجمع مع سائر النصوص الأخرى، كتلك النصوص السابق ذكرها وغيرها، ومثال ذلك قوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء:٩٣]، فهذه الآية من نصوص الوعيد؛ إذ فيها إشارة إلى خلود القاتل عمداً في النار، ونصوص الوعيد ترد إلى نصوص الوعد، فيرد بعضها إلى بعض، ولا تؤخذ على ظاهرها، بمعنى: أنه لا نأخذ بنص واحد ونجعل الحكم القاطع مبنياً عليه، فالنصوص لابد من أن ننظر إليها بمجملها، كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:٤٨]، فهذا من النصوص التي تبين ما يغفر وما لا يغفر، وهذا من نصوص الوعد والوعيد في وقت واحد، فنصوص الوعيد -أي: نصوص التخويف والنصوص التي تتعلق بدخول النار وغيرها- ترد إلى نصوص الوعد بمجموعها، وهذا هو النظر المتكامل الذي ينظره أهل السنة والجماعة، لا يأخذون بنص دون آخر، لذلك قالوا: من أخذ بنصوص الوعد دون نصوص الوعيد فهو مرجئ، ومن أخذ بنصوص الوعيد دون نصوص الوعد فهو حروري، خارجي.